لم أجد علاجي في أميركا.. وجاء الفرج من الوطن

تجربة إنسانية صعبة خاض فصولها بعزيمة وصبر، الإماراتي سيف عبدالله النويس، مجسداً نموذجاً استثنائياً في تجاوز الصعاب وتحقيق الذات، وذلك بعد أن واجه محنة فقدان السمع في عمر مبكر، وانقطع صوته عن العالم، لكنه لم ينكفئ على إعاقته، بل حوّلها إلى حافز للمثابرة والنجاح. وبإصرار لا يعرف الانكسار ودعم عائلي ووطني، استعاد النويس السمع وتعلم النطق، وتفوق دراسياً ومهنياً، ليصبح مثالاً إنسانياً نابضاً بالإلهام لشباب الإمارات الصاعد الذي لا تعيق طريقه التحديات، بل تمنحه القوة والإيمان الراسخ بأن الطموح لا حدود له.

صمت كامل

في بداية حواره مع «الإمارات اليوم»، توقف سيف النويس عند بدايات معاناته مع فقدان حاسة السمع، قائلاً: «كنت في مرحلة مبكرة جداً من عمري حين أصابتني حمى شديدة تركتني في عزلة صوتية تامة، لم أعد أستجيب خلالها لنداءات أهلي ولا للعالم من حولي، وبدأت أتصرف بشكل غريب، فكانت أمي تناديني ولا أجيب، فبدأت تشعر أن هناك خللاً ما». وأضاف: «لم تكن لدي مؤشرات سابقة على وجود مشكلة صحية، إلا أن الغموض الذي لفّ وضعي، دفع والدي إلى البدء في رحلة طويلة من الفحوص والمتابعات، وقال الأطباء حينها إنها مجرد حرارة وستمر، لكن الحقيقة كانت أنني فقدت حاسة السمع تماماً، وأصبحت أعيش في صمت كامل».

الفرج من الوطن

وبعد ملاحظة حالة ابنهما، تحرك والدا سيف بسرعة، وقرر والده نقله إلى الولايات المتحدة بحثاً عن علاج، قائلاً: «بقينا هناك نحو شهر، وعلى الرغم من كل الجهود، لم نجد علاجاً مناسباً أو خطة صحية واضحة المعالم». وأضاف: «جاء الفرج من الوطن، حيث وصل خبر حالتي الصحية إلى المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، فطلب من طبيب مختص آنذاك، أن يزرع لي قوقعة في أذن واحدة، ولأنني كنت طفلاً مشاغباً، فقد انكسرت الزراعة من الداخل، ما اضطر الطبيب إلى إجراء زراعة في الجهتين».

وإثر هذه العملية، تحسنت حالة سيف واستعاد السمع تماماً في عمر أربع سنوات، لكنه واجه في المقابل مشكلة أخرى تتعلق بالنطق والتعلم والكلام، ما دفع والداه إلى إلحاقه بعدد من المراكز المتخصصة، لكن دون فائدة تذكر، ليبدأ سيف مرحلة جديدة من التحدي وصفها قائلاً: «لعبت أمي الدور الأهم، وقد كانت بطلة القصة، حيث بدأت بتعليمي من المنزل، فأحضرت دفاتر وصوراً، ودأبت على تدريبي على النطق كلمة بكلمة، متسلحة بالصبر والإرادة».

سجن التنمر

بدأ سيف شيئاً فشيئاً في تعلم النطق، ثم التحق متأخراً – لكن بعزيمة لا تقهر – بمقاعد الدراسة ليُبدي تفوقاً ملحوظاً، ويتجاوز سجن «التنمر» الذي وضعه فيه الأولاد، قائلاً: «كانوا يضحكون مني ويشيرون إلـيّ ساخرين، وكنت أعود إلى المنزل وأقول لأمي إنني لن أذهب مجدداً إلى المدرسة، فكانت تجمع حطام روحي بعباراتها اللطيفة، مؤكدة أنني الأقوى وأنني نعمة من الخالق، وأنه يجب علـيّ عدم الشعور بالخجل أو الحرج مما أنا فيه». وأضاف: «مع الوقت، باتت توصيات أمي ونصائحها درعاً نفسية قوية في مواجهة التحديات ونظرة الناس، فقد جعلتني أكثر قوة وثباتاً لدرجة بات فيها الجميع يطلقون علـيّ لقب (بطل السمع)، وذلك بعد تمكني من تجاوز محنتي والمضي قدماً في الحياة».

ارتقاء

وباقتدار وتمكّن، نجح «بطل السمع» الإماراتي في شق طريق الحياة، وتحقيق الطموح، وذلك بعد بلوغه 26 عاماً ونيله شهادة البكالوريوس في مجال التسويق وريادة الأعمال من جامعة زايد في العاصمة أبوظبي، فيما يعمل اليوم في أحد المصارف الخاصة في قسم الاستثمار المؤسسي، واصفاً هذه التجربة بالقول: «حين تقدّمت للعمل، أخبرتهم بكل صراحة بأنني من أصحاب الهمم، فلم أتلقّ سوى الاحترام والتقدير، ولم أشعر للحظة بأنني أقل من أحد، لأنني على يقين تام وإيمان مطلق بأن ما مررت به أكسبني مهارات لا تُكتسب بسهولة». وتابع: «بينما كانت التقارير الطبية تتيح لي الإعفاء، كان لدي إصرار على أداء الخدمة الوطنية وخدمة بلادي، فالتحقت بمطار زايد الدولي لأتقلد لمدة عام كامل، مهام المفتّش التي أعتبرها من أجمل التجارب في حياتي، لأنها علمتني الانضباط وتحمل المسؤولية».

لا للعجز

أكد الشاب الإماراتي سيف عبدالله النويس، أن علاقته الأليفة مع الصمت لم تنتهِ، فحين يقوم بنزع السماعة من أذنيه يعود إلى حالة الصمت التام، واصفاً هذا الأمر بأريحية لا متناهية، مضيفاً: «أشعر بسلام عميق بعد أن تعلمت من الصمت أن ألاحظ التفاصيل، وأصبحت مع مرور الوقت قادراً على قراءة الشفاه بدقة، وفهم حركة الوجه، واستيعاب أن الصمت ليس عجزاً، بل طريقة مغايرة للفهم».

فرصة للأمل

تمسك سيف عبدالله النويس بتوجيه رسالة لكل من يمر بتجربة استثنائية مثله، قائلاً: «الإعاقة ليست نهاية، بل شكل مختلف للبداية». وتابع: «دون دعم عائلتي ورعاية دولتي، ما كنت لأصل إلى ما وصلت إليه اليوم، وما كنت لأثبت لنفسي كل يوم أنني أستحق هذه الحياة، فكل لحظة نعيشها فرصة، وكل صوت نسمعه نعمة، وقد تعلمت أن أقدّر النعمة، بعد أن فقدتها».

سيف النويس:

• لعبت أمي الدور الأهم، وقد كانت بطلة القصة، حين بدأت بتعليمي من المنزل، وتدريبي على النطق كلمة بكلمة.

• توصيات أمي ونصائحها كانت درعاً نفسية قوية في مواجهة التحديات ونظرة الناس، والتنمر علـيّ.

Google Newsstand

تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news

Share


تويتر


عن ثراء زعموم

Check Also

بالصور.. بروتوكول تعاون شامل بين جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا وقناة النهار فى التدريب الإعلامى والخدمات الطبية والثقافية

    علاء الكحكي: تعاوننا مع جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا يعكس إيماننا بدعم الكوادر الإعلامية …

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *