قالت وزيرة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة، نعيمة بنيحيى، إن تمكين النساء من الولوج الفعلي إلى البرامج الاستثمارية يقتضي إحداث تغيير حقيقي في التمثلات الثقافية، وإعادة هندسة البرامج الاقتصادية العمومية، مع ضمان استفادة النساء منها بنسب وازنة.
وأضافت بنيحيى في مداخلتها خلال ندوة وطنية حول: “الاستثمار والتشغيل والتحول البنيوي في المغرب: نحو حكامة ترابية جديدة دامجة”، نظمت اليوم الأربعاء، بمجلس المستشارين، أن وزارة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة بادرت إلى إعداد الخطة الحكومية للمساواة، باعتماد مقاربة تشاركية شملت مختلف الفاعلين، متضمنة ثلاثة برامج أساسية، في مقدمتها برنامج التمكين الاقتصادي للنساء والريادة، الذي يهدف إلى تعزيز مشاركة المرأة في الاقتصاد، وتمكينها من الإسهام في النمو السوسيو-اقتصادي، وتحقيق التنمية المستدامة والتماسك الاجتماعي بالمغرب.
وأكدت الوزيرة أن من بين أبرز التدابير المعتمدة في هذا الإطار، إطلاق برنامج التمكين الاقتصادي والريادة على المستوى الترابي، الذي يسعى إلى تحسين قابلية تشغيل النساء، وتعزيز روح الريادة لديهن، من خلال مواكبتهن في تطوير الأفكار وتدبير المشاريع، وتمكينهن من الولوج إلى سوق الشغل ومصادر التمويل، إذ يستهدف هذا البرنامج 36 ألف امرأة، بمعدل 3000 مستفيدة في كل جهة.
وتضيف الوزيرة أن البرنامج حقق إنجازات ملموسة وذات تقدير منذ انطلاقه إلى غاية شهر أبريل 2025، إذ استفادت أكثر من 13 ألف امرأة من تكوينات متنوعة شملت المهارات الناعمة، والإدارة المالية، وتطوير الأعمال والمبيعات، والتسويق، إلى جانب إحداث عدد من الحاضنات الاجتماعية المرجعية موزعة على مختلف الأقاليم، وتمويل أكثر من 328 مشروعا موجها للنساء في وضعية إعاقة، إلى جانب تعبئة 1156 مركزا للتربية والتكوين تابعا لمؤسسة التعاون الوطني.
وتشير الوزيرة نعيمة بنيحيى إلى أن هذا البرنامج يشمل المواكبة والتكوين والتأطير، بهدف تمكين النساء من خلق أنشطة اقتصادية مدرة للدخل، باعتبار أن التمكين الاقتصادي يُعد رافعة أساسية لمساعدة النساء على الخروج من دوامة الفقر والعنف والتمييز، من خلال مشاريع مبتكرة تُراعي خصوصيات كل جهة.
وتؤكد المسؤولة الحكومية أن وزارتها تحرص على الاستثمار في الرأسمال البشري، وتثمين المكتسبات المهنية والحرفية للنساء وفق الخصوصيات المجالية، باعتباره سبيلا لتعزيز الفرص الاقتصادية للنساء، من خلال إزالة العقبات التي تحول دون مشاركتهن في سوق العمل، ودعم تطور المقاولات، والمقاولة الذاتية، والتعاونيات.
وسجلت الوزيرة أن العديد من النساء ما يزلن يواجهن تحديات كبيرة في ما يتعلق بتكافؤ الفرص الاقتصادية والسياسية، إذ يصعب عليهن الولوج إلى مواقع القرار والمسؤولية مقارنة بالرجال، إضافة إلى معانتهن من صعوبات في الوصول إلى مصادر التمويل، وفرص الاستثمار، والأسواق الضرورية لتطوير مشاريعهن ومبادراتهن الاقتصادية.
وأبرزت في مداخلتها أن هذه الإكراهات تتضاعف بفعل استمرار مظاهر العنف ضد النساء، والتمييز الاجتماعي الذي ما زال يشكل عائقا بنيويا أمام تحقيق مشاركة منصفة وفعالة للمرأة في مختلف المجالات.
وأشارت إلى أن وزارة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة، وبتنسيق مع مختلف الفاعلين والشركاء، اعتمدت برنامج التمكين متعدد الأبعاد للنساء، كمدخل أساسي لتعزيز حقوق المرأة، وترسيخ مبدأ المساواة الفعلية، مؤكدة أن هذا البرنامج يشكل رافعة مركزية لتحسين وضعية المرأة، بما ينعكس إيجابا على الأسرة والمجتمع برمته.
وشددت وزيرة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة، على أن البرنامج الحكومي للفترة 2021-2026 أولى أهمية بالغة لقضايا المرأة، لا سيما فيما يتعلق بتحقيق المساواة بين الجنسين، وتعزيز تمكين المرأة في مختلف المجالات.
وأكدت أن هذا التوجه يأتي في إطار تقليص الفوارق الاجتماعية والمجالية، وتحقيق المساواة الفعلية، بما ينسجم مع التوجهات الاستراتيجية للنموذج التنموي الجديد للمملكة.
ويهدف البرنامج، بحسب الوزيرة، إلى رفع نسبة نشاط النساء، ومواكبة التحول الهيكلي للاقتصاد الوطني من أجل خلق فرص شغل منصفة للجميع، وتعزيز حكامة عمومية قائمة على تجويد الخدمات وتقليص الفوارق، لفائدة جميع المواطنات والمواطنين.
وأبرزت وزيرة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة، أن هذه الجهود تأتي في انسجام تام مع مجموعة من الأوراش الاجتماعية الكبرى التي يشرف عليها الملك محمد السادس، وفي مقدمتها ورش الحماية الاجتماعية، وإصلاح المنظومة الصحية ومنظومة الاستهداف الاجتماعي، والتي تمثل تحولا نوعيا في مسار بناء مجتمع أكثر عدالة وإنصافا، من خلال جعل الحماية الاجتماعية حقا مكفولا لجميع المواطنات والمواطنين.
وأشارت إلى أن ورش مراجعة مدونة الأسرة يشكل بدوره محطة أساسية في مسار تعزيز حقوق جميع مكونات الأسرة، وخاصة النساء والأطفال والفتيات، من خلال مراجعة بعض المقتضيات القانونية بما يتماشى مع مصلحة الأسرة المغربية وتطور المجتمع.
واقتناعا منها بأن الاستثمار في قدرات النساء هو استثمار في تنمية المجتمع ككل، أكدت الوزيرة أن الحكومة المغربية تعمل على بلورة وتنزيل سياسات وبرامج تهدف إلى تحقيق المساواة الفعلية بين الجنسين، وتمكين النساء من حقوقهن السياسية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية، وذلك في انسجام مع مضامين دستور المملكة، ومقتضيات البرنامج الحكومي للفترة 2021-2026، وكذا التزامات المملكة الدولية في هذا المجال.
وبناء على المسار الهام الذي راكمه قطاع التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة في مجال ترسيخ المساواة بين الجنسين، والنهوض بحقوق وأوضاع المرأة المغربية، تؤكد نعيمة بنيحيى مواصلة العمل من أجل تحقيق المساواة الفعلية، باعتبارها مبدأ إنسانيا منسجما مع القيم الحضارية والأسرية للمجتمع المغربي.
وتضيف بنيحيى أن من أبرز توجهات استراتيجيات عمل القطاع، الاعتماد على مقاربة النوع، والمقاربة الحقوقية، والمقاربة الترابية والتشاركية، وذلك من خلال التنسيق مع مختلف الفاعلين من قطاعات حكومية، ومؤسسات وطنية، وقطاع خاص، ومجتمع مدني.
وفي ما يتعلق بدعم تشغيل النساء وتمكينهن اقتصاديا، توضح بنيحيى أن استراتيجية القطاع ترتكز على تثمين المكتسبات المحققة، وتسريع وتيرة تنفيذ البرنامج الحكومي، عبر تنسيق الجهود مع القطاعات المعنية، وتعبئة الفاعلين، مع التركيز على برامج ذات أثر مباشر على المواطنات والمواطنين، مشيرة إلى أن هذه الاستراتيجية تهدف إلى تحسين استهداف الفئات المعنية وتتبع الأثر، لضمان فعالية التنزيل وجودة الخدمات، وتعزيز أثرها الإيجابي على واقع العيش.
وعلى المستوى الترابي، تؤكد بنيحيى أهمية تقوية قدرات المتدخلين في رصد وتقييم أثر مختلف التدابير المعتمدة ضمن السياسات العمومية والبرامج، بما يضمن تحقيق نتائج ملموسة ومستدامة.
وأكدت نعيمة بنيحيى أن هذه الندوة تندرج ضمن مبادرة دينامية شاملة، تهدف إلى المساهمة في إرساء أسس الدولة الاجتماعية، القائمة على مبادئ العدالة الاجتماعية والمجالية، والإنصاف، والمساواة بين الجنسين، وتعزيز مشاركة النساء في الحياة الاقتصادية.
وأوضحت أن هذه المبادرة تسعى، بشكل خاص، إلى دعم الاستثمار الموجه نحو تمكين النساء، وفتح آفاق جديدة لتشغيلهن، وذلك في إطار تنفيذ التوجيهات الملكية، وتنزيل المقتضيات الدستورية، والالتزامات الدولية للمملكة المغربية، وكذا مضامين البرنامج الحكومي.
وأكدت نعيمة بنيحيى أن الملك محمد السادس، أولى أهمية خاصة لقضايا النساء، واعتبرها من الأولويات الأساسية للدولة، مبرزة أنه ما فتئ يؤكد، في مختلف خطبه، ضرورة تمكين النساء من حقهن الكامل في المشاركة في التنمية وصنع القرار، مستشهدة بخطاب الملك بمناسبة الذكرى 46 لثورة الملك والشعب سنة 1999، إذ قال:”وكيف يتصور بلوغ رقي المجتمع وازدهاره والنساء اللائي يشكلن زهاء نصفه، تُهدر مصالحهن في غير مراعاة لما منحهن الدين الحنيف من حقوق، هن بها شقائق الرجال، تتناسب ورسالتهن السامية، في إنصاف لهن مما قد يتعرضن له من حيف أو عنف، مع أنهن بلغن مستوى نافسن به الذكور، سواء في ميادين العلم أو العمل”.
وذكرت بنيحيى بما ورد في خطاب عيد العرش لسنة 2022، والذي أكد فيه الملك: “بناء مغرب التقدم والكرامة الذي نريده، لن يتم إلا بمشاركة جميع المغاربة، رجالا ونساء، في عملية التنمية، لذا نُشدد مرة أخرى على ضرورة المشاركة الكاملة للمرأة المغربية في جميع المجالات”.
وأبرزت أن الدستور المغربي لسنة 2011 كرس هذا التوجه الحقوقي، إذ نص صراحة على الالتزام بتحقيق المساواة بين الجنسين ومناهضة جميع أشكال التمييز، كترسيخ لدولة العدل والمساواة وتكافؤ الفرص، وضمان مشاركة الجميع في التنمية والاستفادة العادلة من ثمارها، كما جاء في ديباجته التأكيد على حظر التمييز على أساس الجنس، أو اللون، أو المعتقد، أو الثقافة.
وأضافت أن المملكة المغربية انخرطت بشكل مسؤول في المنظومة الأممية، من خلال التفاعل الإيجابي مع الالتزامات الدولية في مجال المساواة ومقاربة النوع، لا سيما الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ومؤتمر السكان والتنمية، وإعلان ومنهاج عمل بيجين، والهدف الخامس من أهداف التنمية المستدامة، إلى جانب اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو)، وما ترتب عنها من توصيات تعد مرجعا عمليا لتوجيه السياسات العمومية نحو إنصاف النساء والفتيات في مختلف المجالات.