في خطوة تعبّر عن تحول استراتيجي في السياسة الأمنية والإقليمية لموريتانيا، أعلنت نواكشوط إغلاق منطقة “لبريكة” الحدودية مع الجزائر، معتبرة إياها منطقة عسكرية محظورة على المدنيين. هذا القرار يأتي بعد تصاعد التهديدات الأمنية في المنطقة، وعلى رأسها محاولات تسلل عناصر من جبهة البوليساريو إلى الأراضي الموريتانية، بهدف تنفيذ عمليات عسكرية ضد أهداف مغربية.
وقد استخدم الجيش الموريتاني الطائرات المسيرة لمطاردة هذه العناصر وإجبارها على التراجع، في مؤشر واضح على تطور القدرات العسكرية الموريتانية واعتمادها على أدوات المراقبة الحديثة لتعزيز سيطرتها على حدودها الشرقية.
في السياق ذاته، رفض الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني طلبًا من جبهة البوليساريو بإعادة فتح الحدود الشمالية، مؤكدًا في موقف حاسم على ضرورة احترام سيادة بلاده، ورفض استخدام أراضيها كمنصة لشن هجمات ضد أي دولة، في إشارة صريحة إلى المغرب.
ويشكل هذا الموقف تحولًا جذريًا في تعاطي نواكشوط مع جبهة البوليساريو الانفصالية، التي كانت تاريخيًا تحتفظ بعلاقات ودية مع السلطات الموريتانية. إلا أن التطورات الأخيرة تشير إلى أن موريتانيا بصدد إعادة تقييم شاملة لمواقفها الإقليمية، خاصة في ظل تزايد التنسيق الأمني والاقتصادي مع الرباط.
مصطفى ولد سلمى، القيادي السابق في جبهة البوليساريو، قدّم في تصريح لجريدة مدار21 خلفية تاريخية دقيقة حول تعقيدات الوضع الأمني في المنطقة. وأوضح أن الأراضي الموريتانية تحيط بإقليم الصحراء من جهتي الشرق والجنوب على امتداد يفوق 1300 كلم، وهي حدود صحراوية شبه خالية من السكان، خصوصًا في جهاتها الشرقية والشمالية، ولم تكن مراقبة بالمعنى الصارم.
وأشار إلى أن موريتانيا دخلت نزاع الصحراء بهذه الوضعية الأمنية، وخرجت منه وهي على نفس الحال. لكنه أكد أن تغيرًا محوريًا بدأ مع مطلع سنة 1984، حين شرع المغرب في بناء الشطر الثاني من الحزام الدفاعي بمنطقة “آمكٌالا”، عبر أراضٍ موريتانية قرب بلدة “بير أم اغرين”، مما قسم الأراضي الصحراوية المتنازع عليها إلى شطرين يفصل بينهما العمق الموريتاني.
وأضاف ولد سلمى أن الرئيس الموريتاني آنذاك، محمد خونا ولد هيداله، ذكر في مذكراته أنه استدعى سفيري فرنسا والولايات المتحدة وأبلغهما بأن بناء المغرب للحزام في “آمكاله” سيجبر البوليساريو على استخدام الأراضي الموريتانية للهجوم على المغرب، وخيرهم بين وقف المشروع أو الاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء.
وقال إن المغرب ورغم ذلك، أكمل تشييد الحزام الدفاعي، فيما ظلت موريتانيا تسمح لعناصر البوليساريو بعبور أراضيها، وهو وضع استمر إلى غاية 2020، تاريخ إعلان الجبهة العودة إلى العمل العسكري، لتُفاجأ بتطور كبير في القدرات القتالية للجيش المغربي، لاسيما استخدامه الواسع للطائرات المسيرة، مما جعل من المناطق الواقعة شرق الحزام ساحة غير آمنة ومكشوفة لتحركاتها، فاضطرت إلى تحويل نشاطها العسكري بالكامل نحو الأراضي الموريتانية.
وسجل المتحدث أنه على امتداد أكثر من أربع سنوات ونصف من إعلان الجبهة العودة إلى الحرب، تكشّف تراجعها المستمر على مختلف المستويات. “وفي المقابل، أضحت الحرب على الحدود الموريتانية مصدر خطر مباشر على المدنيين الموريتانيين، وأسفرت عن سقوط عدد من الضحايا، مما جعل السلطات الموريتانية تعيد النظر في مدى سماحها لعناصر الجبهة بالتنقل بحرية فوق أراضيها”.
واعتبر في حديثه للجريدة أن قرار الإغلاق الأخير، وتحديد منطقة “لبريكة” كمجال عسكري محظور، مثّل صدمة قوية لجبهة البوليساريو، التي أوفدت وفدًا عسكريًا رفيع المستوى إلى نواكشوط في محاولة للضغط من أجل التراجع عن القرار، دون أن تحقق نتائج تُذكر حتى الآن”.
وخلص ولد سلمى إلى أنه في حال استمرت موريتانيا في تنفيذ قرارها القاضي بمنع عبور قوات البوليساريو لأراضيها، فإن هذه الأخيرة ستجد نفسها معزولة جغرافيًا بالكامل، دون منفذ نحو المناطق التي تدّعي القتال فيها، مما يعني خروجًا فعليًا للجبهة من دائرة النزاع المسلح دون أن تُضطر الرباط لإطلاق رصاصة واحدة.