بقلم: الدكتور شون لوخري، أستاذ مشارك في جامعة هيريوت وات دبي وخبير فى السياحة
وفقًا لتقرير حديث صادر عن كافنديش ماكسويل، استقبلت دبي عددًا قياسيًا من زائري الليالي الواحدة بلغ 18.72 مليون زائر في عام 2024، بزيادة قدرها 9.1% عن العام السابق، مما يُمثل إنجازًا هامًا في مسيرة الإمارة السياحية. وقد أدى هذا الارتفاع إلى طلب غير مسبوق على أماكن الإقامة الفندقية، وما رافقه من زيادة في قطاعي الضيافة والتوظيف. ومع استهداف 69% من المعروض الفندقي المتوقع في عام 2025 ضمن فئات الفنادق الفاخرة، فإن الحاجة إلى متخصصين مهرة لتقديم خدمة شخصية راقية أصبحت أهم من أي وقت مضى. وبعيدًا عن الفنادق، تتجلى آثار هذا النمو في مختلف قطاعات السياحة في دبي، بدءًا من النقل وتجارة التجزئة وصولًا إلى المأكولات والمشروبات وإدارة الفعاليات. ومع تطور القطاع لتلبية التوقعات العالمية المتزايدة، فإن الموقع الاستراتيجي والأسعار التنافسية والطلب المستدام سيكون أمراً حاسماً في تعزيز مكانة دبي كمركز عالمي رائد للضيافة.
في خضم هذا الزخم، يشهد قطاع الضيافة في الإمارات العربية المتحدة، الذي لطالما حظي بالإعجاب لفنادقه المميزة وخدماته المتميزة، تحولاً جذرياً. لا يقتصر هذا التحول على توسيع البنية التحتية أو تحسين تجارب الضيوف فحسب، بل يشمل أيضاً إعادة تصور كيفية رعاية المواهب وتطوير مهاراتها والاحتفاظ بها. فمع تزايد طلب المسافرين على تفاعلات شخصية مدعومة بالتكنولوجيا، لم تعد المهارات التقليدية والتدريب لمرة واحدة كافية. يجب على القطاع تبني “اقتصاد التعلم” – وهو نموذج جديد يُعد فيه التطوير المستمر للمهارات أمراً أساسياً لتحقيق المرونة والابتكار والنجاح على المدى الطويل.
لماذا يُعدّ تطوير المهارات أمرًا لا غنى عنه في قطاع الضيافة في الإمارات العربية المتحدة؟
في الإمارات العربية المتحدة، تُرسّخ دبي وأبو ظبي مكانتهما الاستراتيجية كمركزٍ للسياحة الترفيهية والتجارية، حيث تجذبان أكثر من 17 مليون زائر سنويًا. تُؤكد الفعاليات الكبرى، مثل إكسبو 2020 دبي ومؤتمر الأطراف الثامن والعشرين لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (COP28)، على أهمية الاستدامة والشمولية والاستعداد الرقمي، لذا يجب على قطاع الضيافة أن يتطور من خدمة تفاعلية إلى تفاعل استباقي مع الضيوف. ولتلبية هذا الطلب، يجب على المواهب فى هذا القطاع تبني نهج التعلم مدى الحياة. لم يعد تطوير المهارات استراتيجيةً اختيارية، بل هو سعيٌ استباقيٌّ مستمرٌّ يُعزز الميزة التنافسية. تتوسع المهارات بشكل سريع من الامتثال للاستدامة والطلاقة الثقافية إلى إدارة الضيوف المدعومة بالذكاء الاصطناعي والابتكار في سلامة الغذاء. يُعدّ ترسيخ هذه العقلية النمائية على جميع المستويات، من موظفي الخطوط الأمامية إلى القيادة التنفيذية، أمرًا صعبًا.
تلعب منصات التعلم الرقمي دورًا حاسمًا في إعادة تشكيل التدريب في قطاع الضيافة. تُكمّل مبادرات إقليمية، مثل برنامج التعلم الذكي في دولة الإمارات العربية المتحدة ووحدات التدريب الإلكتروني التي تقدمها كلية دبي للسياحة، منصات عالمية مثل كورسيرا ولينكدإن للتعليم وإيد آب. توفر هذه المنصات وصولاً مرنًا إلى محتوى عالي الجودة، مما يسمح للموظفين بالتعلم في أي وقت ومن أي مكان، وهي ميزة أساسية في قطاع متغير كالضيافة. علاوة على ذلك، تستثمر العديد من مجموعات الفنادق في دولة الإمارات العربية المتحدة في أنظمة إدارة التعلم الداخلية الخاصة بها لتقديم تدريب ذي علامة تجارية، يمزج بين ثقافة الشركة وتطوير المهارات. تُعدّ “جامعة هيلتون” التابعة لهيلتون و”مركز التعلم والتطوير” التابع لجميرا مثالين على كيفية استخدام سلاسل الفنادق العالمية للمنظومات الرقمية لتوفير سُبل تعلم شخصية.
التعليم التنفيذي الهجين:
في حين يستفيد الموظفون من دورات تعليمية مكثفة، يحتاج قادة القطاع إلى إعادة توجيه استراتيجي، لا سيما في مجال إعداد تقارير الحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية، وإدارة الأزمات، وتبني التكنولوجيا. تجمع برامج التعليم التنفيذي الهجين بين ورش العمل الحضورية والدراسة عبر الإنترنت لتلبية هذه الحاجة.
تقدم مؤسسات مثل جامعة هيريوت-وات دبي برامج تنفيذية تركز على قطاع الضيافة، مصممة خصيصًا للمنطقة. غالبًا ما تكون هذه البرامج مقسمة إلى وحدات، مما يسمح للمهنيين المشغولين بالتعلم على مراحل، والتعاون مع زملائهم، وتطبيق رؤاهم بشكل آني. بدأت الفنادق في الإمارات العربية المتحدة بتمويل برامج التعليم التنفيذي لرؤساء الأقسام والمديرين العامين، إدراكًا منها أن قدرة القيادة على تعزيز ثقافة التعلم لا تقل أهمية عن التعلم نفسه. فالقائد المتمكن رقميًا والمستعد للابتكار يتغلب على التحديات بفعالية، ويغرس ثقافة الفضول والتحسين المستمر.
ومع ذلك، فإن الاستثمار في المنصات والمؤهلات ليس سوى جزء من المعادلة. إن ما يدفع عجلة التحول حقًا هو ثقافة التعلم، حيث يُنظر إلى التعليم المستمر كقيمة مشتركة لا كإلزام. تتبنى فرق الموارد البشرية والتعلم والتطوير في فنادق الإمارات العربية المتحدة استراتيجيات تدمج التعلم في إدارة الأداء بشكل متزايد. تُعد برامج التوجيه بين الأقران، وأنظمة التقدير القائمة على المهارات، وخطط التطوير الشخصي أدوات تُرسِّخ مفهوم التعلم مدى الحياة. كما يُعزز استخدام الذكاء الاصطناعي في تخصيص توصيات التدريب وتتبع اكتساب المهارات من أثره. كما تكتسب الشراكات بين القطاعين العام والخاص زخمًا متزايدًا. يُساعد التعاون بين مجموعات الفنادق ومقدمي التعليم والهيئات الحكومية على مواءمة التدريب مع الأولويات الوطنية، مثل التوطين، والمهارات الخضراء، والتحول الرقمي.
في منطقة تُعدّ فيها الضيافة تقليدًا وركيزةً اقتصاديةً استراتيجية، فإن ترسيخ ثقافة التطوير المستمر للمهارات ليس ترفًا، بل ضرورة. ويتمتع قطاع الضيافة في دولة الإمارات العربية المتحدة بمكانةٍ مهيأةٍ لقيادة التحول العالمي نحو اقتصاد خدمات قائم على التعلم. فمن خلال الاستفادة من المنصات الرقمية، واعتماد الشهادات الجزئية، وتبني التعليم الهجين، يُمكنه بناء قوى عاملة جاهزة للمستقبل ومُؤهلة له. وسيكون الفائزون في اقتصاد التعلم هم أولئك الذين يُدركون أن رضا النزلاء يبدأ بموظفين مُمكّنين ومُثقّفين، وأن التعلم هو أثمن ما يُمكن أن تُقدّمه أي مؤسسة.