الخط :
أكدت المملكة المتحدة أن “مقترح الحكم الذاتي الذي قدمه المغرب سنة 2007 يُعدّ الأساس الأكثر مصداقية، وواقعية، وبراغماتية من أجل تسوية دائمة للنزاع” الإقليمي حول الصحراء المغربية، وأنها “ستواصل العمل على الصعيد الثنائي، ولا سيما في المجال الاقتصادي، وكذلك على المستويين الإقليمي والدولي، بما يتماشى مع هذا الموقف، من أجل دعم تسوية النزاع”.
وقد تم التعبير عن هذا الموقف في بيان مشترك وُقّع أول أمس الأحد بالرباط، من طرف وزير الدولة البريطاني المكلف بالشؤون الخارجية وشؤون الكومنولث والتنمية، ديفيد لامي، ووزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، ناصر بوريطة.
وفي هذا السياق قال محمد بودن، الخبير في الشؤون الدولية المعاصرة، في تصريح لموقع “برلمان.كوم”، إن دعم المملكة المتحدة لمخطط الحكم الذاتي، واعتباره الأساس الأكثر مصداقية وقابلية للتطبيق وبراغماتية لتسوية النزاع، يمثل نقطة تحول فارقة في مسار ملف الصحراء المغربية، وامتداد لحقبة المواقف الاستثنائية المعبر عنها من طرف القوى الدولية الكبرى، منذ القرار الأمريكي سنة 2020، والموقف الإسباني سنة 2022، ثم الموقف الفرنسي سنة 2024، فضلا عن مواقف قوى إقليمية تنتمي لفضاءات جيوسياسية مختلفة.
وأوضح بودن في تصريحه، أنه يمكن استخلاص ثلاثة رسائل من هذه الانعطافة التاريخية، أولها أن الموقف البريطاني الجديد يقفز بالعلاقات إلى مستويات رفيعة ويجعلها نموذجا للعلاقة بين مملكتين عريقتين في إطار التعاون شمال – جنوب، كما أن الدعم البريطاني للمصالح العليا للمملكة المغربية، يعكس التفكير المشترك بين البلدين ووجود رؤيتين تلتقيان في المنفعة المتبادلة ودفع السلام والازدهار.
وأضاف الخبير، أن الأمر يتعلق بمؤشرات موثوقة وبوادر واضحة للحسم النهائي، قائلا “أتصور أن الجزائر إذا ما قامت بإجراء تقييم موضوعي لهذه الإرادة الدولية الداعمة لمبادرة الحكم الذاتي، ولحصيلة نهجها المعزول عن مجريات الأمور، وإذا ما أخذ صانع القرار الجزائري خلوة لدراسة محاور مبادرة الحكم الذاتي بروية وعقلانية، فإن احتمال التحاق الجزائر بركب القوى الدولية الكبرى المقتنعة، يبقى قائما ولا يمكن إدراجه في خانة سابع المستحيلات”.
وأردف الخبير، “من المؤكد أن تصرف المملكة المتحدة وفقا لهذا الموقف على الأصعدة الثنائية والإقليمية والدولية، يعكس التزاما بالعهود، ويضع لبنة جديدة ضمن رؤية دولية تصب في تكريس سمو مبادرة الحكم الذاتي، كأرضية صلبة للتسوية في أفق الاستحقاقات الأممية القادمة”.
وقال المتحدث ذاته، “لقد أظهرت المملكة المتحدة اهتماما صريحا بالمملكة المغربية، وهذا مرتبط بالمصالح المشتركة لا سيما الاقتصادية منها، في المسائل المتعلقة بالاستثمار والطاقة والزراعة وغيرها من القطاعات، التي كان موضوعات لإطار اتفاقي بين البلدين”.
وأكد بودن في تصريحه، أن الحقائق الدامغة للموقف السيادي المغربي، أصبحت قاعدة ثابتة في تصرفات عدد من الدول، وهذا عنوان رئيسي اليوم للعلاقات الدولية للمملكة المغربية، وبالنظر لسياقات وتوقيت الموقف البريطاني الجديد، يمكن الحديث عن أربع دلالات، أولها، أن الموقف الجديد الداعم لمبادرة الحكم الذاتي صادر عن مدرسة دبلوماسية بريطانية عريقة معروفة بقاعدة واقعية شهيرة تقول “إذا لم تستطع هزيمتهم، انضم إليهم”.
وتابع، أن موقف المملكة المتحدة، ثمرة من ثمار دبلوماسية المبادرة الملموسة التي أطلقها الملك محمد السادس، وهو انعكاس لرسالة الرباط التي جعلت من الصحراء المغربية النظارة التي تقيس صدق الصداقات ونجاعة الشراكات، وبالتالي فالأمر يتعلق برسالة قوية حول تأثير المملكة المغربية في كبريات عواصم القرار العالمي.
واعتبر الخبير، أن القيمة الاستراتيجية لموقف المملكة المتحدة، تكمن في طبيعة الأدوار الكبرى التي لطالما لعبتها لندن، في تشكيل القرار العالمي، والعمل الخارجي بعدد من المجالات الجيوسياسية، وبالنظر لكونها من الخمسة الكبار بمجلس الأمن، فضلا عن دورها القيادي في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، ورابطة الكومنولث التي تضم 56 بلدا من مختلف القارات، فضلا عن أدوارها الرئيسية في حلف الناتو، ومجموعة السبع ومجموعة العشرين.
واختتم بودن تصريحه، قائلا: “إن الموقف البريطاني يأتي بعد أقل من سنة على تولي زعيم الحزب العمالي كير ستارمر، رئاسة الوزراء، كما يأتي في سياق مثالي قبل الذكرى 80 لتأسيس الأمم المتحدة بأشهر، وفي سياق خمسينية النزاع الإقليمي المفتعل، ومن شأنه أن يمثل حافزا للأمم المتحدة والأطراف المعنية، في أفق أكتوبر القادم.