دبي – خاص
بغرض فهم التحولات الكبيرة والجذرية التي ترسم معالم قطاع الخدمات المالية، ما علينا سوى النظر إلى الازدهار الذي تشهده المقاهي في مركز دبي المالي العالمي وسوق أبوظبي العالمي. لقد كانت شركات إدارة الأصول الصينية العاملة في دولة الإمارات العربية المتحدة نادرة نسبياً قبل عدة أعوام فقط، وغالباً ما كنا نجدها في شوارع المقاطعات المركزية المزدحمة في هونج كونج. أما اليوم، فقد أصبحت مشهداً مألوفاً في مقاهي دولة الإمارات العربية المتحدة حيث يقوم أفرادها بتبادل استراتيجيات الاستثمار مع ممثلي المكاتب العائلية والمديرين التنفيذيين لصناديق الثروة.
ويسلط هذا التحول الضوء على حقبة جديدة للقطاع المالي العالمي والذي أخذ يرسخ جذوره في قلب منطقة الشرق الأوسط.
لطالما كانت منطقة الشرق الأوسط وجهة أساسية للصادرات الآسيوية، وشهدت على الدوام تدفقات تجارية بينية كبيرة في الاتجاهين. ومع استمرار تزايد الطلب على النفط والغاز من دول مجلس التعاون الخليجي على الرغم من تقلبات الأسعار، فإن العلاقات التجارية قد تطورت ووصلت إلى مستويات أكثر تعقيداً وديناميكية.
ويشهد رأس المال تدفقاً غير مسبوقاً بين آسيا والشرق الأوسط وذلك بفضل عدد من العوامل منها النمو المستدام في المنطقة، والعلاقات الجيوسياسية المعاد تقييمها، وسعي الاقتصادات القائمة على النفط لتنويع موارد دخلها. ويعد طريق الحرير الجديد تكتلاً اقتصادياً يمتد على مناطق آسيا والشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ويضم ثمانية من أول 20 اقتصاداً في العالم، كما برز كمركز حيوي للاستثمارات في داخل هذه المناطق. ولا يعتبر هذا الطريق محدوداً بالممرات القائمة بالفعل مثل دبي وهونج كونج، بل إنه يسهم في تعزيز تدفقات رأس المال الخاص بين مراكز أخرى مثل البحرين وشينزين، أو الرياض ومومباي، وذلك بالتزامن مع توسيع المراكز المالية في المنطقة لنطاق تأثيرها وتغطيتها.
وتوجد هناك عدة عوامل هيكلية ستسهم على الأرجح في تعزيز هذا النمو في المستقبل القريب، إذ يضم طريق الحرير الجديد ثلاثة من أكبر مراكز الثروة منخفضة الضرائب في العالم وهي هونج كونج وسنغافورة ودبي، كما يعتبر موطناً لعدد كبير ومتزايد من الأفراد أصحاب الثروات الصافية العالية الذين يمتلكون مجتمعين أصولاً تقدر قيمتها بنحو 28 تريليون دولار أمريكي. ومن المتوقع أن يشهد انتقال أصحاب الثروات الصافية العالية بين هذه المراكز الثلاثة زيادة بالتزامن مع سعي المستثمرين إلى تعزيز التنوع الجغرافي واغتنام الفرص التي تتيحها أسواق المنطقة التي تتوسع بسرعة.
والسؤال المطروح أمامنا هنا هو: ماذا يعني هذا الأمر بالنسبة لقطاع الخدمات المالية؟ تسعى المصارف المحلية والمؤسسات غير المصرفية الأخرى الفاعلة من مختلف أنحاء آسيا والشرق الأوسط لبناء منصات متعددة البلدان أوسع نطاقاً بهدف ضمان حصة سوقية لها من المؤسسات المالية العالمية. بالإضافة إلى ذلك، يساهم صعود شركات التكنولوجيا المالية (Fintech) المحلية ومقدمي خدمات الدفع (PSPs) في دفع عجلة هذا التحول، الأمر الذي يفرض تحديات أمام النظام الحالي القائم ويعيد رسم معالم مشهد المنافسة في المنطقة.
ونتيجة لذلك، فإن هناك فرصاً جيدة وناشئة في الأسواق الخاصة بالنسبة لشركات إدارة الثروات. تتمتع المصارف الخاصة العالمية بحضور واسع وهي تقدم مجموعة من صناديق الاستثمار والأوراق المالية العامة، ولذلك يتوجب على مديري الأصول والمصارف الإقليمية التفكير في كيفية الاستفادة من الشبكات المحلية من أجل تقديم أصول الأسواق الخاصة إلى الأفراد أصحاب الثروات الصافية العالية. كما تتمتع المصارف الصينية بقدرة أكبر على الوصول إلى أنواع من صفقات الأسهم الخاصة قد لا تكون متاحة للمصارف الاستثمارية العالمية، وقد تكون هذه الصفقات جذابة بالنسبة للأفراد أصحاب الثروات الصافية العالمية من منطقة الشرق الأوسط.
وبصورة مماثلة، يتوجب على الشركات الإقليمية لإدارة الأصول السعي لضمان تكيّف نماذج الأعمال الخاصة، الأمر الذي يتضمن قيامها بدمج المزيد من التغطية الشخصية بهدف تلبية الاحتياجات دائمة التطور للعملاء في المنطقة. أما بالنسبة للشركات التي تتطلع لدخول أسواق جديدة، فإن إبرام شراكات مع أقرانها المحليين هو أمر على قدر كبير من الأهمية، إذ يتمتع هؤلاء الشركاء بعلاقات راسخة وبالخبرات اللازمة التي تمكّنهم وبفعالية من ردم الهوة في الخبرات والثقافة المحلية.
وعلى الرغم من أن المنطقة تشتمل على فرص استثمارية مجزية، إلا أنه لا يزال هناك مجال كبير للنمو، إذ لا تزال أسواق الديون والأسهم صغيرة نسبياً مقارنة بالتمويل المصرفي، حيث يشكل التمويل غير المصرفي 70% فقط من الائتمان الخاص. وتعمل الجهات التنظيمية في المراكز المالية بالمنطقة بنشاط بهدف تطوير أسواق الديون هذه، وقد تدفع أسعار الفائدة المرتفعة الشركات إلى استطلاع فرص الاستفادة من المصادر المبتكرة للتمويل غير المصرفي.
وعليه، فإن العلاقات الجيو-سياسية المتغيرة تعمل بشكل عام على فتح آفاق جديدة للنمو، كما أن أبرز الممرات الأساسية لنجاح شركات الخدمات المالية تصطف وعلى نحو متزايد على طول طريق الحرير الجديد.
عادل الفلاسي، الشريك والرئيس التنفيذي لشركة أوليفر وايمان بدولة الإمارات العربية المتحدة