من الرباط إلى نيويورك.. كيف يُعزز دعم لندن موقع المغرب دوليا؟

في سياق إقليمي ودولي يتسم بتحولات عميقة في مواقف عدد من القوى الكبرى إزاء النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، جاء إعلان المملكة المتحدة دعمها لمقترح الحكم الذاتي، الذي تقدم به المغرب سنة 2007، ليشكل محطة مفصلية في تطور هذا الملف.

هذا الموقف، الذي تم التعبير عنه في بيان مشترك بالرباط بين وزير الدولة البريطاني للشؤون الخارجية والكومنولث والتنمية ديفيد لامي، ونظيره المغربي ناصر بوريطة، يعكس انخراطاً بريطانياً صريحاً في دعم حل سياسي واقعي ومتوافق عليه، ينهي حالة الجمود التي طبعت مسار التسوية منذ عقود.

عبد العالي سرحان، الباحث في العلوم السياسية والعلاقات الدولية، اعتبر أن إعلان المملكة المتحدة دعمها لمقترح الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية يعد تطوراً استراتيجياً بالغ الأهمية في مسار النزاع الإقليمي حول الصحراء المغربية، لما يحمله من دلالات سياسية وقانونية عميقة تصب في مصلحة المغرب، وتعكس تحولا في مواقف الفاعلين الدوليين نحو مقاربة واقعية ومستدامة.

وسجل المتحدث أنه من خلال اعتبار لندن مقترح الحكم الذاتي “الأكثر مصداقية وبراغماتية”، فإنها تنضم إلى عدد متزايد من القوى العالمية التي تعترف بجدية المبادرة المغربية، وتقطع مع منطق الغموض أو الحياد السلبي الذي طبع المواقف التقليدية لبعض الدول الكبرى.

وقال في تصريح لجريدة “مدار21” الإلكترونية، إن أهمية هذا الموقف البريطاني لا تقتصر فقط على رمزيته السياسية، بل تنبع أيضا من موقع المملكة المتحدة كعضو دائم في مجلس الأمن، لافتا إلى الدعم العلني لهذا المقترح يمنح المغرب ثقلاً تفاوضياً مضاعفاً داخل أروقة الأمم المتحدة، خاصة في ما يتعلق بترسيخ خيار الحكم الذاتي كأفق وحيد وواقعي لتسوية النزاع.

وذكر الباحث في العلاقات الدولية في حديثه للجريدة أن “هذا التحول يعزز توجه المغرب نحو إحراج الأطروحة الانفصالية، ويقلص من هوامش المناورة لدى خصوم وحدته الترابية، خاصة في ظل تراجع الدعم الدولي لأطروحات متجاوزة كتنظيم الاستفتاء”.

علاوة على البُعد الدبلوماسي، أكد عبد العالي سرحان أن الدعم البريطاني يحمل أبعاداً اقتصادية واضحة، من خلال إعلان استعداد الهيئة البريطانية لتمويل الصادرات دعم مشاريع في الأقاليم الجنوبية.

وأردف مسترسلا: “هذا التوجه لا يعكس فقط اعترافاً ضمنياً بالسيادة المغربية على هذه المناطق، بل يكرسها عملياً من خلال الاستثمار في التنمية المحلية وربط هذه الأقاليم بالنسيج الاقتصادي الدولي”.

وأوضح أن هذا الدعم من المملكة المتحدة يعزز مكانة المغرب كبوابة استراتيجية نحو إفريقيا، في انسجام تام مع الرؤية الملكية لجعل الأقاليم الجنوبية منصات للتكامل الإفريقي.

وسجل سرحان، أنه من زاوية العلاقات الدولية، فإن التحرك البريطاني يندرج ضمن إعادة تشكيل موازين القوة في المنطقة المغاربية وشمال إفريقيا، حيث تتعزز مكانة المغرب كفاعل محوري في الاستقرار الإقليمي.

واعتبر أن ربط المملكة المتحدة بين تسوية النزاع واستقرار شمال إفريقيا يعكس وعياً متزايداً لدى العواصم الغربية بكون استمرار النزاع يشكل عائقاً أمام التنمية والاندماج الإقليميين، ويغذي التوترات الأمنية. “من هنا، فإن تبني خيار الحكم الذاتي لا يحقق فقط مصلحة المغرب، بل يخدم مصلحة المجتمع الدولي ككل”.

وخلص الباحث في العلوم السياسية والعلاقات الدولية إلى أن الموقف البريطاني يمثل دفعة نوعية في المسار الدولي المؤيد لمبادرة الحكم الذاتي، ويؤكد نجاعتها كحل سلمي ونهائي يراعي الواقعية السياسية ويحترم سيادة المغرب.

وأوضح أنه يعكس كذلك نجاح الدبلوماسية المغربية، بقيادة الملك محمد السادس، في بناء تحالفات متينة قادرة على التأثير في مراكز القرار العالمية. “وبذلك، يقترب النزاع من مرحلة “الطي السياسي”، إذ لم يعد ممكناً المراهنة على أطروحات الانفصال، بل على تسويات عقلانية تُراعي الحقائق الجيوسياسية الجديدة”.

عن أسيل الشهواني

Check Also

تفاصيل استشارة بـ350 مليونا لإعداد برنامج السكن الإيجاري بالمغرب

أطلقت وزارة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة طلب عروض مفتوح دولي للمساعدة في …

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *