
بقلم الدكتور خالد قنديل :
ثمة وجوه لا تمر بنا، بل تستقر في ذاكرتنا.. في زمنٍ تتآكل فيه الأسماء وتبهت الوجوه تحت رماد التكرار، يظهر رجل لا يُشبه سوى فكرته.
حين التقيتُ بالدكتور محمد ربيع ناصر، أدركتُ أنه من أولئك الذين لا يمرون عابرين، بل يستقرون في أعمق ما فيك من احترام وتقدير، ليس اسمه ما يهم، بل ما يمثله.. إنه كمن قرر أن يحفر مجرى لنهرٍ في صحراء، لا لكي يُرى، بل لكي تُسقى الأرواح.
من مدينةٍ خجولة كالدلتا، صنع حبرًا جديدًا يُكتب به مستقبل هذا البلد العظيم.. أسس جامعة لا تبيع الشهادات، بل تصوغ العقول.. مستشفى لا يُداوي الأجساد فقط، بل يحرس كرامة العلم من العطب.. مدارس، أكاديميات، مبادرات… كلها تُشبهه: هادئة العمل، صاخبة الأثر.
لكن ما الذي يجعل رجلًا كهذا يتجاوز حدود الطموح؟
إنه “الهم” همُّ الإنسان، همُّ العقل، همُّ الحلم المُستباح حينما يتعثر بالأسئلة.. إنه يرى في كل طالب نهارًا جديدًا.. في كل معلم بذرة لنبي.. في كل بحث علمي محاولة لفهم العالم من زاوية أخرى.
ليس عبثًا أن يُطلق جائزة للبحث العلمي، فالعلم عنده ليس فصولًا أكاديمية، بل هو شكل آخر من العبادة.. وليس صدفة أن يرأس الاتحاد العربي للتعليم الخاص، فالرجل يعرف أن التعليم هو البوصلة، وأن الحرف أصدق من الخطبة المعلبة.
هو يُشبه البناة الصامتين، الذين يعرفون أن أعظم الأبنية هي تلك التي لا تُرى، لأنها مشيدة في داخل الإنسان.. هو يُشبه أولئك الصوفيين، الذين قرأوا في كتاب الحياة فصلًا يقول: “أعمل لله، لا أرجو سواه، وفي محبته وحدها أجد الاكتفاء”
محمد ربيع ناصر لا ينتظر مدح.. لا يطلب وسامًا.. إنه فقط يُريد أن تمشي مصر على قدمين: عقل حي، وروح يقظة.
هو لا يحدق في مرآته، بل في مرايا الآخرين. كل نجاح يُنسب له، يعيده إلى الناس.. كل فكرة تُنير، يذيب فيها اسمه.
في زمن امتلأ بالزيف والمزيفين، ما يزال هناك من يحفر اسمه في العقول والقلوب: أثر لا يزول، وفكرة لا تموت، وضوء لا يعرف الانطفاء.