على الرغم من ولادته أصم، فإن الإماراتي ماجد البلوشي، لم يجد في عدم قدرته على التواصل باللغة المنطوقة عائقاً لتحقيقه نجاحاً بارزاً في مجال العلاقات العامة والإرشاد السياحي.
واختار البلوشي العمل في مجال تجارب السفر المصممة خصيصاً لمجتمع الصم، لينقل إلى زوار الإمارات من هذه الفئة صورة مثالية عن الدولة وثقافتها وتاريخها وأفضل معالمها، ويطمح إلى نشر لغة الإشارة على نحو أكبر بين الناطقين، من أجل تقليص الحواجز في التواصل.
واستهل البلوشي حواره مع «الإمارات اليوم» بالحديث عن طفولته ورحلة تعليمه، قائلاً: «نشأت في عائلة مكونة من أب وأم و10 أطفال، وثلاثة من أفراد الأسرة من الصم، وكان أخي الكبير أصم، وواجه الوالدان صعوبة في التواصل معه، ثم ولد شقيقي الآخر أصم أيضاً، لأكون أنا الطفل الثالث الأصم في العائلة، ولكن مع وجود شقيقين من الصم قبل ولادتي، أوجد ذلك لدى العائلة الخبرة في التواصل معنا بنسبة 50%، واليوم بات جميع أفراد العائلة والأقارب يتقنون لغة الإشارة».
عدم توافر الاندماج
وحول رحلة تعليمه، لفت البلوشي إلى أنه لم يلتحق بالمدرسة حتى سن الـ10، إذ لم تكن الأماكن المخصصة لتعليم الصم متاحة بكثرة، موضحاً أن مشهد ذهاب الأطفال من أقاربه إلى المدرسة كان يحزنه كثيراً، لأنه لم يتمكن من الالتحاق بالمدرسة مثلهم. وأشار إلى أنه بسبب هذا الوضع قام عمه بالبحث عن مدرسة تستقبله، حتى تمكن من تسجيله في مدرسة تابعة لمؤسسة زايد العليا لأصحاب الهمم، مبيناً أنه تعلم لغة الإشارة في المدرسة وتابع دراسته حتى أنهى المرحلة الثانوية، إذ لم يتمكن من استكمال المرحلة الجامعية بسبب عدم توافر الاندماج والترجمة بالجامعات في تلك الفترة.
لغة إشارة خاصة
يشغل البلوشي حالياً منصب مدير العلاقات العامة والمرشد السياحي للصم في «أمسان» المختصة بمجال السياحة للصم، وعبّر عن سعادته بأن يشغل هذا المنصب، مثنياً على القدرة على التفاهم بين جميع الموظفين. ونوه بأن الجولات السياحية التي يقوم بها، تتوجه للسياح من مجتمع الصم، وهم من دول عدة، ويتم تخطيط جولات سياحية تعرفهم بأبرز الأماكن السياحية في دولة الإمارات بشكل عام ودبي على نحو خاص. ونوه بأن كل دولة تمتلك لغة إشارة خاصة بها، ولكن هناك أيضاً لغة عالمية موحدة، يلجأ إلى استخدامها في الجولات السياحية لأنها مفهومة من قبل مختلف جنسيات العالم. وأكد أن المعلم الأهم بالنسبة إليه في دبي هو برج خليفة، ويقدمه إلى السياح بالكثير من الفخر، نظراً إلى أهمية هذا المعلم العمراني في الدولة.
ثقافات العالم
اكتسب البلوشي من مهنة الإرشاد السياحي فرصة التعرف إلى ثقافات الدول، وأوضح أنه لم يكن يعرف الكثير عن أوكرانيا أو بريطانيا، والجولات السياحية وفّرت له قاعدة من الأصدقاء من جنسيات متنوّعة، الذين باتوا يتابعونه أيضاً على منصات التواصل الاجتماعي. وأشار إلى أنه يقوم بصناعة محتوى خاص بالصم عبر حسابه الشخصي، ولكنه لا يلمس تفاعل الناطقين، بل ينحصر التفاعل في مجتمع الصم.
ويواجه البلوشي الذي يبلغ من العمر 30 عاماً، العديد من الصعوبات في كيفية التواصل مع الناطقين، موضحاً أنه تعرض للعديد من المواقف التي كانت تُشكل اللغة حاجزاً بينه وبين الناس من أجل فهمه أو مساعدته، مستشهداً بحادثة تعرضه لإصابة في قدمه خلال مباراة كرة قدم، إذ انتقل إلى المستشفى وحده، ولم يتمكن موظف الاستقبال من مساعدته ما اضطره للعودة إلى المنزل. ولفت إلى أنه يفضل وجود الاتصال بالصورة في العديد من الأماكن العامة، مناشداً بأهمية تنظيم دورات تدريبية للموظفين لتسهيل تواصلهم مع مجتمع الصم. وشدد البلوشي على أهمية نشر لغة الإشارة، مشيراً إلى أنه يجبر في بعض الأحيان على الكتابة من أجل التواصل مع المجتمع، ولكن هناك نسبة من الأشخاص الصم غير القادرين على الكتابة أو فهم معاني الكلمات، ولغة الإشارة بالنسبة إليهم هي الأسهل. ويطمح إلى نشر هذه اللغة كيلا يعاني الصم حواجز في التواصل مع أفراد المجتمع، وكذلك ليتمكنوا من تكوين علاقات اجتماعية وصداقات دون وجود حواجز.
عدم اليأس
ووجه البلوشي رسالة إلى مجتمع الصم، حثهم فيها على عدم اليأس بل السعي دائماً إلى جعل مجتمع الناطقين يفهم مجتمع الصم، لأنه لا يوجد اختلاف سوى بانعدام السمع، معتبراً أن انعدام السمع لا يصنف إعاقة على الإطلاق، بل يمكن اتخاذه دافعاً من أجل الإصرار على النجاح والتغلب على التحديات.
مهرجان الصم
نظمت «أمسان إكسيسبل تورز» مهرجان الصم في دبي، الذي جمع ما يقارب 300 شخص من مجتمع الصم من مختلف دول العالم، ويمتد على أربعة أيام ويضم العديد من الأنشطة المميزة. وأشار ماجد البلوشي إلى أن أهمية المهرجان تكمن في جمعه العديد من الجنسيات من آسيا وأميركا وأوروبا وكذلك إفريقيا. ونوه بأن تنظيم هذا الحدث يحمل أهمية كبيرة في تعريف الزوار بالإمارات من خلال الأنشطة في مدينة إكسبو دبي، أو الصحراء وغيرها من الوجهات. وقد شهد المهرجان العديد من العروض الكوميدية بلغة الإشارة، فضلاً عن الخطابات التي قدمها مشاركون، ومن بينهم رئيس جمعية الصم الإماراتية مصبح النيادي، والمترجمة من وزارة تنمية المجتمع عبير الشحي.
ماجد البلوشي:
. انعدام السمع لا يصنف إعاقة على الإطلاق، بل يمكن اتخاذه دافعاً من أجل الإصرار على النجاح والتغلب على التحديات.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news