ورش الدولة الاجتماعية أحدث تحولا نوعيا في السياسات الاجتماعية بالمغرب

قال رئيس المرصد الوطني للتنمية البشرية، عثمان كاير، إن الورش الملكي الكبير للدولة الاجتماعية، باعتباره ورشا ينتمي إلى الزمن الاستراتيجي في أفقه الإِصلاحِي وطبيعته المُهيكلة التي تستشرف بناء نموذج اجتماعي جديد، شكل تحولاً جذرياً لِمُحدِّدات العلاقة بين المواطن والدولة، كما طالت آثاره بشكل عميق كل منظومة الفعل العمومي في أبعادها ذات الصلة بالسياسات، والقيم، ونموذج الحكامة.

وسجل كاير، اليوم الثلاثاء، في كلمة له، خلال ندوة وطنية حول “الدولة الاجتماعية: المرجعيات والسياسات والرهانات”، أن مسار التفعيل المتواصل للورش الملكي للدولة الاجتماعية يشكل تحولاً نوعياً على مستوى المقاربات المنهجية، في مستويات المضامين والسياسات والإجراءات والتشريعات، وكذا على صعيد إعادة بناء الهيكلة المؤسساتية المناسبة لتحقيق أهدافه، مع ما تقتضيه من جهود المبادرة والتنسيق والتواصل، ذات الصلة بملف مُركب يحمل الكثير من القطائع والتحديات المجتمعية والتدبيرية.

واعتبر رئيس المرصد الوطني للتنمية البشرية أن ورش الدولة الاجتماعية يسترعي تسجيل أربع ملاحظات، أولها تلك المرتبطة بتتبع دينامية الورش الملكي للدولة الاجتماعية، بالوقوف للمرة الأولى على انتقال الاهتمام بالمسألة الاجتماعية من دائرة التدبير القطاعي الصرف، ثم فيما بعد من دائرة السياسات العمومية إلى مستوى السياسة العامة.

وأكد أن ذلك يعني في تقاطع لافت بين اللغة المعيارية لدستور 2011 ومعجم التدبير الحديث، انتقالا مؤكدا إلى دائرة الفعل الاستراتيجية، على نحو يمكننا من القول بعيدا عن أي استعارة مجازية أن الدولة الاجتماعية هي الوجه الأخر للدولة الاستراتيجية باعتبارها إعادة تعريف يومي للسياسة كاختيارات كبرى للأمة وكحرص دقيق على ملائمة التدابير والسياسات مع الغايات المُهيكلة للمشروع المجتمعي الذي يقوده الملك محمد السادس.

والملاحظة الثانية، أكد من خلالها أن الدولة الاجتماعية تمثل مساراً حاسماً في دينامية إخراج المسألة الاجتماعية من سقف الانتظارية، ومن معادلة الارتهان لمعطيات السياسة أو الاقتصاد، سواء تعلق الأمر بانتظارية سياسوية ظلت لعقود تؤجل الشأن الاجتماعي إلى حين توفر ما يكفي من الاصلاحات السياسية، أو بانتظارية اقتصادية عملت بقوة على تأجيل “الاجتماعي” لحين توفر ما يكفي من ثمار النمو. لافتا إلى أن البديل الحالي الذي يطبع ورش الدولة الاجتماعية، كتجاوز لسقف الانتظارية المُعطلة، هو جوهرها الإرادوي الواضح.

وفي الملاحظة الثالثة ، شدد كاير على أن المهم في مشروع كبير ومُهيكل مثل الدولة الاجتماعية، هو ليس فقط حجم الاعتمادات المالية المخصصة له، ولكن كذلك وبالأساس التغيير الهيكلي في ترتيب الأولويات الكبرى وضمنها المسألة الاجتماعية؛ وحجم تحولات هندسة السياسات العمومية المتفرعة عن السياسة العامة المُتضمنة للاتجاهات العامة للدولة الاجتماعية، في تقاطعاتها القطاعية والأفقية والترابية، وفي نموذجها المؤسسي المبتكر؛ والطابع الإرادي للفعل العمومي الحامل لامتدادات هذا الورش الكبير، وما يرتبط به من التزام ملكي سامي بكل الحمولة الدستورية والسياسية والتاريخية للمؤسسة الملكية كقائدة فعلية للمشروع المجتمعي للبلاد.

وأكد المتحدث من خلال الملاحظة الرابعة أن حجم هذا المشروع وامتداداته داخل ميكانيزمات الفعل العمومي وتمفصلات السياسات والبرامج العمومية، وآثاره على تدخلات القطاعات الحكومية والمؤسسات والإدارات ذات الصلة بمُخرجاته، تجعلنا أمام مشروعٍ مهيكل يحتاج إلى تملكٍ مجتمعي واسعٍ وإلى حالة إصلاحية مدعمةٍ، وقبل ذلك إلى الكثير من بيداغوجيا التواصل المُوَاكب، داخل بيئة مؤسسية مُنصة للشركاء الاجتماعيين والفاعلين الاقتصاديين.

وأشار رئيس المرصد الوطني للتنمية البشرية، في كلمته، إلى أن المغرب عبر أفق الدولة الاجتماعية، يُعيد – عملياً- ترتيب عقد اجتماعي وسياسي جديد، ويؤسس لديمقراطية بمدخل المواطنة الاجتماعية، قائمة على تفاعل تاريخي للدولة ومؤسساتها وسياساتها مع دينامية الطلب الاجتماعي المتواصل.

وأردف موضحا :”إذا كان لابد من التفكير – في سياق هذا المحفل العلمي- عن الدولة الاجتماعية كأفق للتفكير والتحليل والتأمل، بمقاربات الباحث العلمية وعدّته المنهجية ومسافته الموضوعية، فإنه من الممكن كذلك أن نُلاحظ في الاتجاه الآخر حاجة مشروع مهيكل مثل الدولة الاجتماعية إلى ما تُتيحه الجامعة من خِبرات مسندة للأداء العمومي، ومن أدبيات مسهمة في دورة تقييم السياسات، ومن منظومة مؤشرات لقياس النجاعة و الفعلية”.

كما أبرز حاجتها لفضاءات للحوار العمومي ولتقاسم الحجج و لتأطير الرأي العام ومده بمرجعيات النظر الى الموضوع، بطريقة تمكن الفاعلين السياسيين والمدنيين والنقابيين من تجاوز لحظة إنتاج المواقف السريعة المبنية على الانطباعات العابرة أو التموقعات الظرفية أو الأفكار المسبقة”.

عن أسيل الشهواني

Check Also

90% نسبة التغطية بالإنترنت ونستعين بالأقمار الاصطناعية في القرى

قالت وزيرة الانتقال الرقمي وإصلاح الإدارة، أمل الفلاح السغروشني، إن نسبة تغطية مختلف المناطق المغربية …

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *