منذ تعيينه مبعوثا خاصا للأمم المتحدة إلى الصحراء المغربية في السابع من أكتوبر قبل ثلاث سنوات، يصر الدبلوماسي الإيطالي السويدي ستافان دي ميستورا على إثارة الجدل، فرغم أنه جاء لحل النزاع الذي عمر طويلا واقترب من إكمال نصف قرن، إلا أن نهجه في إدارة الأزمة المفتعلة واجه انتقادات واسعة، إذ يُعتقد أن أخطاءه في إدارة المفاوضات وفشل الجهود المبذولة ساهمت في تعميق الأزمة بدلاً من تسويتها.
بعمري: دي ميستورا لا حق له في الاجتهاد
نوفل بعمري، الباحث في شؤون الصحراء، يؤكد أن رهانا كبيرا كان على دي ميستورا عند تعيينه لتكون له القدرة ليحلحل الملف من البوابة الإنسانية خاصة وأن له تجربة سابقة في سوريا و يعرف جيداً الكيفية التي تتحرك بها المليشيات المسلحة، معتبرا أنه وبعد ثلاث سنوات على تعيينه لم يستطع الدبلوماسي أن يحرك الملف من المدخل الإنساني خاصة أن قرار اتفاق وقف إطلاق النار يتضمن مهمة بناء الثقة من خلال عمليات تبادل الزيارات التي كانت قد توقفت بقرار جزائري بعد رفض العديد من الأسر التي جاءت في إطار البرنامج للمنطقة للعودة للمخيمات.
وأشار بعمري في تصريح لجريدة “مدار21” الإلكترونية، إلى أن واحدا من بين أبرز الأخطاء التي ارتكبها دي مستورا أنه لم يُعر للجانب الإنساني الإهتمام الذي كان يجب أن يلقاه خاصة مع الحصار المضروب على سكان المخيمات وحالة الفقر والجوع واليأس المتولد، مبرزا أن هذا الوضع يجعل من الجانب الإنساني أساس التحرك الذي كان يمكن أن يقوم به المبعوث الخاص للأمم المتحدة.
وأكد المتحدث أن المغرب واجه أبرز خطأ للمبعوث الأممي برفع نقطة نظام في وجهه لتنبيهه عن خروجه عن الإطار المعياري المحدد لمهمته، وهو إطار محدد في قرارات مجلس الأمن التي حصرت أطراف النزاع بدقة في المغرب والجزائر، وفي بعث العملية السياسية من حيث انتهت في جنيف 1 وجنيف 2، وشكل المباحثات في الموائد الأربع، وهي محددات أممية واضحة مُحددة لتحرك دي ميستورا ولا يمكن العمل من خارج إطارها.
واسترسل موضحا: “لذلك عندما قام دي ميستورا بتوسيع دائرة مشاوراته لتشمل جنوب إفريقيا وهي الدولة التي لم تكن معنية بالمسلسل بل تُعتبر عملياً منحازة للطرف الجزائري ومساندة المليشيات ومتأنية لوجهة نظرهم المتجاوزة اضطر المغرب لتنبيهه ومطالبته باحترام قرارات مجلس الأمن والاشتغال ضمن إطارها السياسي والمنهجي الذي لا يعطيه حق وحرية الاجتهاد خارج الثوابت الأساسية السياسية التي حددتها قرارات مجلس الأمن علاقة بالملف، وهو الطرح الذي أكده القرار الأخير الصادر عن مجلس الأمن الذي أعاد التذكير و التأكيد على هذه الثوابت.
ويرى الباحث في شؤون الصحراء، أنه ومنذ تعيين دي ميستورا، اعتمد على منهج غير واضح في ما يتعلق بالعملية السياسية التي يريد إطلاقها، مشيرا إلى أن عدم وضوحه يتجلى في الارتباك الذي أبداه من حيث تعاطيه مع مختلف الأطراف خاصة الجزائر، معتبرا أن “هنا يكمن حجم التراخي الذي أبداه اتجاه النظام الجزائري الذي طالبه قرار مجلس الأمن بالإنخراط الجدي في العملية السياسية ودعمها”.
وبخصوص ردة فعل المغرب اتجاه هذه الأخطاء، قال نوفل بعمري إن المغرب لا يتحرك من منطلق رد الفعل، بل يتحرك وفق خطوات دبلوماسية مدروسة ومنسجمة مع الثوابت التي حددها أولا؛ لا حل خارج مبادرة الحكم الذاتي، ثانيها احترام مضامين قرارات مجلس الأمن التي حددت معايير الحل السياسي وإطاره.
وشدد على أن المغرب وكلما لاحظ أن هناك انزياحا نحو الخروج عن هذه الخطوط، يعمل على تنبيه الأمم المتحدة بهذه الانزياحات بالوضوح اللازم والصرامة الضرورية وبدبلوماسية قوية، وهو ما قام به عندما حاول دي ميستورا الخروج عن المنهجية التي وضعتها الأمم المتحدة ومحاولة إقحامه لجنوب إفريقيا في المشاورات التي يجريها، مستنداً على قرارات مجلس الأمن والتراكم السياسي الذي تم تحقيقه، وهو الموقف الذي عززته الأمم المتحدة سواء باللجنة الرابعة أو بمجلس الأمن، رغم ذلك المغرب أعلن عن دعمه لمهمته بعد صدور قرار المجلس.
وفيما يتعلق بإمكانية استقالته، والتي سبق ولمح لها، وما إذا كانت ستكون مفيدة للمغرب أم العكس، قال الباحث إن الرباط لا تقيس الوضع بهذا الشكل، “سواء رحل دي ميستورا أو بقي فإن ما تنظر إليه المملكة هو مسلسل التسوية السياسية والمسار الذي قطعه وصولاً لقرار الأخير، و هو مسار سياسي انتهى بتبني مجلس الأمن للمبادرة المغربية ومعاييرها السياسية وضمنها في نص القرار، مما يجعله ينظر بالأساس إلى هذا التطور أكثر من استمرار دي ميستورا من عدمه.
وخلص إلى أن ما يهم المغرب أن تكون الشخصية التي تنال منصب المبعوث الأممي تشتغل وفق القرارات الصادرة عن مجلس وضمن إطارها السياسي العام ليس خارجها، وأن يكون اجتهادها لتقوية هذا الإطار لا نسفه.
عبد السلام: مصير دي ميستورا لن يؤثر على تعاون المغرب مع الأمم المتحدة
بدوره، يوافق البراق شادي عبد السلام بعمري، ويؤكد أن مبعوث الأمم المتحدة إلى الصحراء المغربية ستافان دي ميستورا ارتكب أخطاء قاتلة في ملف التسوية الأممي، وذلك عبر خروجه عن المنهجية السياسية التي اعتمدها مجلس الأمن في مختلف المشاورات التي عقدها المبعوثون السابقون منذ بدأ العملية السياسية كلقائه الغريب مع مسؤولين في جنوب إفريقيا رغم أنها قانونيا وسياسيا ليست طرفا أو جهة سياسية لها إمكانية المشاركة في مسلسل الموائد المستديرة أو التشاور حول قضية الوحدة الترابية أو الانخراط في جهود الأمم المتحدة للبحث عن حل سياسي تفاوضي للنزاع الإقليمي المفتعل.
واعتبر الخبير الدولي في إدارة الأزمات وتدبير المخاطر وتحليل الصراع، أن الخطيئة الكبرى تمثلت في توصياته الغريبة بتقسيم الصحراء إلى قسمين شمالي وجنوبي في إساءة بليغة لمواقف المغرب الراسخة إزاء وحدته الترابية وفي تعارض مكشوف مع قرارات مجلس الأمن التي تؤكد بشكل تراكمي على صوابية مقترح الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية باعتباره الحل الأساس لهذا النزاع الإقليمر المفتعل.
ولفت إلى أن الدبلوماسية المغربية اليوم تعتمد على “إستراتيجية الفعل” ولا تبني مواقفها على “ردود الأفعال”، وهو ما عودتنا عليه في قضايا مصيرية اتخذت فيها مواقف صارمة بقراءة إستراتيجية ورؤية مستقبلية جد متقدمة وتقدير موقف متوازن و العقل الإستراتيجي المغربي استطاع بمهنية عالية وأداء سياسي إبعاد قضية الوحدة الترابية عن الصراعات الجيوسياسية المتصاعدة التي يعرفها عالم ما بعد كورونا، ورفض أن يحوّلها إلى حلبة مفتوحة لتكسير العظام بين القوى العالمية خدمة لمصالح آنية أو ظرفية.
وأردف في تصريح لجريدة “مدار21” الإلكترونية “صحيح أن الملف ذو حمولة إقليمية تتداخل فيه مصالح وتقديرات واختيارات العواصم الفاعلة بشكل كبير، لكنه يبقي المنتظم الدولي، بفضل المواقف الوطنية الثابتة غير القابلة للتصرف أو النقاش، ينظر إلى الحل من زاوية مغربية بقواعد اشتباك دبلوماسية صارمة وفق معادلة جيوسياسية حددتها العاصمة الرباط بهدوء استراتيجي عنوانه العريض: الوحدة الترابية خط أحمر”.
وقال إن عملية صياغة القرار السياسي الخارجي المغربي اليوم تتسم بوعي كبير لدى الفاعلين والمتدخلين باستخدام ذكي ومؤثر للميكانيزمات وفق مقاربة علمية وأكاديمية دقيقة لبلوغ الأهداف المحددة، سواء بالعمل على الحفاظ على سيادة الدولة وأمنها الوطني أو بحماية مصالحها الاقتصادية والسياسية والثقافية، إذ تعتمد السياسة الخارجية المغربية على مجموعة من المحددات الجوهرية التي تتطلبها سياسة خارجية فعالة وحازمة في تعاملها مع القضايا الوطنية، ومن بين هذه القضايا تأتي قضية الصحراء المغربية كأحد الأولويات القومية التي على أساسها تتحدد طبيعة العلاقات المغربية مع العالم.
وأوضح أنه وبرؤية استشرافية فإن بلاغ وزارة الخارجية حول ثوابت وموقف المغرب بشأن ملف الصحراء المغربية عقب زيارة المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة ستافان دي ميستورا إلى الرباط في أبريل 2024 يعتبر ردا واضحا عن أي محاولة من المبعوث الأممي للخروج عن المنهجية الأممية حيث وضع “لاءات ثلاث” وفق مقاربة سياسية دقيقة واعتبرها البلاغ شروطًا صارمة أمام المبعوث الأممي لاستئناف العملية السياسية في ملف الصحراء.
وأبرز البراق شادي عبد السلام أن هذه اللاءات الثلات تتمثل في ألا عملية سياسية خارج إطار الموائد المستديرة التي حددتها الأمم المتحدة، بمشاركة كاملة من الجزائر وأنه لا وجود لحل خارج إطار المبادرة المغربية للحكم الذاتي تحت السيادة المغربية ولا عملية سياسية جدية في وقت يُنتهك وقف إطلاق النار يوميا من قبل مليشيات البوليساريو.
وجوابا عن سؤال “مدار21” حول موقف المملكة من استقالة دي ميستورا، أكد المتحدث أنه سبق أن عبر عنه عمر هلال ممثل المغرب الدائم لدى الأمم المتحدة، والذي شدد على أن هذه الاستقالة لن تكون أبدا بسبب المغرب بل بسبب تعنت الطرف الجزائري الرافض للعودة إلى مسلسل الموائد المستديرة، على اعتبار أن المغرب له رغبة دائمة في التعاون مع المبعوث الأممي مستقبلا في إطار انفتاح المملكة المغربية على كل المجهودات الأممية للدفع بحل سياسي تفاوضي يحترم السيادة المغربية على أقاليمه الجنوبية.
وبهذا الصدد، سجل الخبير الدولي في إدارة الأزمات وتدبير المخاطر وتحليل الصراع أن المغرب تعاون مع مختلف المبعوثين الأممين للأمم المتحدة من أجل حل النزاع الإقليمي المفتعل في الصحراء المغربية، مضيفا :”بالتالي استقالة دي ميستورا أو بقاؤه لن يؤثرا على تعاون المملكة الكامل مع الأمم المتحدة ومجلس الأمن في إطار احترام السيادة المغربية على الأقاليم الجنوبية، كما أن المقترحات المغربية الراسخة والثابتة تشكل إطارا فعالا مساعدا لأي مبعوث أممي من أجل زحزحة الجمود الإقليمي وإطلاق مشاورات سياسية مع مختلف الأطراف الفاعلة للتوصل إلى حل سياسي يشكل الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية الإطار المرجعي له”.
ظهرت المقالة دي ميستورا.. ثلاث سنوات من تراكم الأخطاء تنزع عنه رداء “الحياد” أولاً على مدار21.