أكّد الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي، إدريس لشكر، أنه لم يلاحظ أي إرادة حقيقية في مجلس النواب للتقدم في موضوع تقديم ملتمس الرقابة، معبرا عن أسفه لما اعتبره غياب إرادة سياسية حقيقية وصادقة لدى بعض أطراف المعارضة لدفع المبادرة نحو التفعيل،
وأوضح لشكر خلال دورة المجلس الوطني المنعقدة اليوم السبت، أنه “وبناء على ذلك، ورفضا للتعامل باستخفاف مع الآليات الرقابية الدستورية ومع الرأي العام، قرر الفريق تعليق أي تنسيق بشأن هذا الملتمس”، خاصة وأن بعض المكونات فضلت الانشغال بـ”تفاصيل ذاتية وتقنية” لا تمت بصلة للأعراف السياسية والبرلمانية، بحسبه.
وأفاد الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي، إدريس لشكر، أن حزبه بادر إلى اقتراح تقديم ملتمس رقابة بمجلس النواب، وملتمس مساءلة الحكومة بمجلس المستشارين، استنادا إلى مقتضيات الفصلين 105 و106 من الدستور، إذ يأتي هذا التحرك، وفق تعبيره، على خلفية “معطيات مقلقة” تُبرز فشل الحكومة في إدارة الشأن العام والوفاء بوعودها الانتخابية والتزاماتها الحكومية.
وأشار إدريس لشكر إلى أن حزبه عبّر عن هذا المقترح منذ نهاية سنة 2023، وأكد عليه من خلال الدورة الأخيرة للمجلس الوطني المنعقدة في 27 يناير 2024، والتي صادق عليها المجلس، مضيفا أن الحزب شرع في التنسيق بشأن هذا التوجه مع بعض أطراف المعارضة، مع إدراكه أن هذه الأخيرة لا يمكنها أن تتوفر على الأغلبية المطلقة من أصوات النائبات والنواب، ما يعني أن المصادقة على ملتمس الرقابة ودفع الحكومة إلى تقديم استقالتها الجماعية أمر غير ممكن من الناحية العددية.
غير أن لشكر أكد أن تقديم ملتمس الرقابة، رغم غياب ضمانات النجاح العددي، هو سلوك سياسي مشروع دأبت عليه المعارضة تاريخيا، كما حدث في ملتمسي 1964 و1990، حيث كانت المبادرة مناسبة لدعوة الحكومة للدفاع عن نفسها وسياساتها العمومية، وفتح المجال أمام المعارضة للتعبير بحرية عن مواقفها وانتقاداتها.
وأكد إدريس لشكر أن المبادرة الأولى المتعلقة بتقديم ملتمس الرقابة ظلت مفتوحة أمام مختلف مكونات المعارضة، إلا أنه، بالموازاة مع ذلك، طُرحت مبادرة أخرى تخص طلب تشكيل لجنة تقصي الحقائق حول دعم المواشي، موضحا أن الفريق الاشتراكي انخرط في التوقيع على هذا الطلب، رغم معرفته المسبقة بصعوبة تفعيله، بالنظر إلى أن الدستور يشترط تقديم طلب تشكيل اللجنة من طرف ثلث أعضاء مجلس النواب، وهو النصاب العددي الذي لا تتوفر عليه المعارضة، مقارنة مع الخُمس الذي يُقره الدستور لتقديم ملتمس الرقابة والمتوفر للمعارضة.
وأشار إدريس لشكر إلى أنه، وأمام تعذر التقدم بطلب تشكيل لجنة تقصي الحقائق، بادر حزبه مجددا إلى طرح ملتمس الرقابة، من خلال الانفتاح على مختلف مقترحات مكونات المعارضة، بهدف بلورة وصياغة نص الملتمس، وبدء جمع توقيعات النائبات والنواب لتأمين النصاب القانوني المتمثل في خُمس أعضاء مجلس النواب، كما ينص عليه الدستور.
واعتبر إدريس لشكر في تقريره السياسي، أن مبادرة الاتحاد الاشتراكي بطرح ملتمس الرقابة نجحت في تحريك مياه السياسة الراكدة في البلاد حتى قبل تقديمها رسميا، مشددا على أن الهدف من هذه الخطوة يتجاوز الحسابات التقنية أو العددية، ليُلامس ضرورة سياسية وطنية تستوجبها المرحلة، وتُسهم في إعادة الاعتبار للثقافة السياسية التي تعرف تراجعا مقلقا.
وأوضح أن المبادرة تسعى إلى مأسسة الحوار بشأن القضايا الحارقة التي تعرفها الحياة السياسية، والتي وصفها بأنها تهدد بالسكتة المؤسساتية، كما تهدف إلى إسماع صوت المعارضة، وبالتالي صوت شرائح واسعة من المواطنين، من داخل المؤسسات التي تُواجه، بحسبه، محاولات للهيمنة والإقصاء.
وأكد أن هذا المسعى يصبو إلى كسر الشروط المجحفة التي تُعيق التعبير الحر للصوت المعارض، وإلى تعزيز دور المعارضة في تمنيع الديمقراطية وتجويد آلياتها كما نص عليها الدستور، فضلا عن تفعيل روح المرجعية الدستورية التوافقية التي اختارها المغاربة، من أجل حياة سياسية أكثر تقدما وتفاعلا مع التحديات الراهنة والمستقبلية.
ويرى إدريس لشكر أن ملتمس الرقابة يشكل برهانا واضحا على الحاجة الملحة اليوم إلى استثمار كل ما يتيحه الدستور من احتياطي إصلاحي، وذلك في أفق بناء مؤسسات قوية، وترسيخ ممارسات ديمقراطية فضلى، وإقامة الدليل أمام الرأي العام على ضرورة مواصلة النهج الإصلاحي الذي قامت عليه الإصلاحات الدستورية التاريخية.
وأكد أن هذا المسعى من شأنه أن يفتح آفاقا واسعة أمام الإصلاحات السياسية والمؤسساتية، بما يضمن توازن السلط واحترام الصلاحيات الدستورية، ويدعم بناء دولة اجتماعية حقيقية، مشددا على أهمية مراجعة المنظومة الانتخابية بشكل شامل، وتحصين الممارسة الديمقراطية، واستكمال ورش تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، إلى جانب تحقيق المساواة بين الجنسين، وإدماج مغاربة العالم في المشاركة السياسية، فضلا عن تحصين المجتمع من تيارات التطرف وجماعات الضغط، ومكافحة مختلف أشكال الفساد.