بقلم: أحمد عقل، المدير العام لشركة جونسون كونترولز–هيتاشي لحلول التكييف في الشرق الأوسط وأفريقيا
دبي، الإمارات العربية المتحدة، 14 مايو 2025 – في ظـلّ تسارع خطوات منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا نحو مُستقبل أكثر استدامة، يقف قطاع التكييف في نقطة تحول حاسمة. فمع ازدياد معدلات التخطيط المدني والطلب المستمر على خدمات التبريد طوال العام، لم تعد أنظمة التكييف مجرد وسائل راحة، بل أصبحت ضرورة حياتية. إلا أنها في الوقت نفسه من بين أكبر مستهلكي الكهرباء ومصادر الانبعاثات الكربونية في الشرق الأوسط وإفريقيا.
ووفقًا للوكالة الدولية للطاقة، فإن معظم أجهزة التكييف المستخدمة حاليًا أقل كفاءة بمرتين إلى ثلاث مرات مقارنةً بالأنظمة الأعلى أداءً. وهو ما يشكّل تحديًا حقيقيًا أمام الاستراتيجيات الوطنية للطاقة وأهداف المناخ، لا سيما في منطقة يعتمد فيها التبريد المنزلي على ما يصل إلى 70% من استهلاك الكهرباء.

ويُتوقع أن تكون المنطقة من بين الأسرع عالميًا في نمو الطلب على التبريد، مدفوعة بالنمو السكاني، والتوسع العمراني، وارتفاع درجات الحرارة. وإذا واصل قطاع التكييف الاعتماد على أنظمة قديمة وعالية الاستهلاك للطاقة، فقد يُهدد ذلك قدرة الدول على تحقيق أهدافها الطموحة للحياد المناخي.
وللتوجه نحو الاستدامة، لا بد من مسارين متوازيين: تسريع تبنّي التكنولوجيا الحديثة، وتفعيل التغيير السلوكي.
أولاً، يجب تسريع نشر أنظمة التكييف عالية الكفاءة، المصمّمة لتوفير نفس قدرة التبريد باستخدام طاقة أقل بكثير. فهذه الأنظمة ليست مجرد بدائل ممكنة، بل باتت متاحة أكثر من أي وقت مضى. واعتمادها سيسهم في تقليل الأحمال خلال ساعات الذروة، وخفض الانبعاثات، وتخفيف الضغط على شبكات الكهرباء الوطنية.
وثانيًا، لا بد أن تواكب برامج التوعية وبناء القدرات في قطاع البيئة العمرانية هذا التوجه. فالمهندسون والمطورون ومديرو المرافق بحاجة إلى أكثر من مجرد معدات — إنهم بحاجة إلى معرفة وخبرة. فتعظيم أداء أنظمة التكييف يتطلب فهمًا عميقًا لتكامل الأنظمة، وأدوات التحكم الذكية، واستراتيجيات التبريد السلبي، وأفضل ممارسات الصيانة. فحتى الأنظمة المتطورة قد تفشل في تحقيق كفاءتها إذا لم تُستخدم بشكل صحيح.
وتتزايد أهمية هذا الأمر في البلدان التي بدأت بتطبيق لوائح البناء الأخضر أو تحديث بنيتها التحتية. فغالبًا ما يُنظر إلى التكييف كمتطلب للامتثال لا كمكوّن جوهري في خطط الاستدامة. إلا أن البيانات واضحة: من دون تحسين كفاءة التبريد، ستجد العديد من الدول صعوبة في الوفاء بتعهداتها ضمن اتفاق باريس للمناخ أو أهداف الحياد المناخي الإقليمية.
ولا تتوقف آثار كفاءة التكييف عند الطاقة، بل تمتد إلى الصحة العامة والإنتاجية. ففي المدارس والمستشفيات، يسهم التبريد الموثوق والفعال على التوالي في تحسين التحصيل الدراسي وتسريع التعافي. وفي الصناعة، يُعزز استقرار العمليات ويخفض التكاليف التشغيلية. وبالنسبة للفئات الهشة، قد يشكّل التكييف الفعّال وسيلة حماية حيوية خلال موجات الحر.
ولتحقيق هذا التحول، لا بد من تعاون بين مختلف القطاعات — من واضعي السياسات إلى المطورين والموردين ومراكز التدريب. ويتطلب ذلك مواءمة الحوافز، وفرض معايير أداء صارمة، والاستثمار في برامج تدريب مهني ترفع مستوى الكفاءة على امتداد القطاع.
في نهاية المطاف، التبريد في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا ليس خيارًا — بل كيفية تبريدنا هي الخيار. واعتماد أنظمة تكييف عالية الأداء ليس مجرد تحديث تقني، بل قرار استراتيجي لكل دولة أو مؤسسة تسعى جديًا نحو ضمان مستقبل مستدام. وإذا كان الحياد المناخي هو الوجهة، فإن التبريد عالي الكفاءة هو أحد أهم الوسائل للوصول إليها.