عصر جديد للمتاحف مع استخدام تقنيات الواقع المعزز لإبراز الرؤية التاريخية والثقافية

الدوحة – خاص
في عالمٍ يشهد العديد من التطورات السريعة، والتي تتقاطع فيها التكنولوجيا مع الإعلام والثقافة، لم تعد المتاحف مجرد أماكن لعرض الأعمال والقطع الأثرية، بل أصبحت مساحات حيوية ومنبر للحوار والإبداع والابتكار. ومع تنوّع الجمهور وتزايد تطلعاته، يُعاد تعريف دور المتحف ليكون جسراً بين التقليد والتجديد.وفي طليعة هذا التحوّل يأتي متحف مجلس الإعلام في جامعة نورثويسترن في قطر، ويعدّ مؤسسة رائدة تجسّد مفهوم “متحف الجيل الجديد”.

بعكس المتاحف التقليدية التي تعتمد على العروض الثابتة والتفسيرات الأكاديمية، إذ بدوره يتبنى متحف مجلس الإعلام نموذجاً جديداً، ومزيجاً بين ما هو أكاديمي وتفاعلي. ويسعى أيضاً للتشّجيع على التفكير النقدي حول الفن والإعلام والمجتمع، وذلك من خلال الدمج بين المنظورات المحلية والعالمية، وتسليط الضوء على آراء من الجنوب العالمي، ومعالجة قضايا معاصرة مثل الميتافيرس والذكاء الاصطناعي.

من خلال مجموعة المعارض، والبرامج التي تشّجع على  التفكير والتركيز العميق على المشاركة المجتمعية، يوفّر متحف مجلس الإعلام رؤية فريدة لعلاقة الإعلام والتكنولوجيا بالهوية الثقافية في العالم العربي وخارجه.

في هذا المقال، يشارك مدير المتحف، الدكتور ألفريدو كراميروتي، رؤيته عن أساليب المؤسسة في وضع  معيار جديد للمؤسسات الثقافية حول العالم.

إحدى أبرز النقاشات في عالم المتاحف اليوم هي كيفية تحقيق توازن بين النهج التقليدي القائم على الأسس الأكاديمية للمتاحف، والنهج “الجماهيري” الجديد، والذي يركّز على خلق تجربة متعددة ومفتوحة التفسير للجمهور المستهدف.

في متحف مجلس الإعلام في جامعة نورثويسترن في قطر، أعتقد أننا نجحنا في تقديم مزيج مميّز يضم كلا النهجين. إضافةً لتوفير أساس أكاديمي قوي لمعارضنا، نهدف إلى أن يعيش الزوّار في تجاربنا التفاعلية وعروضنا الفنيّة، ليقضوا وضت في التفكير، وربما الأهم، هو مشاركتهم وتفاعلهم. ندرك أن جمهور اليوم – وخاصةً جيل الشباب – لا يقتصر دوره على معرفة المعلومات فقط، بل توليدها أيضاً، ونحن بدورنا نسعى لتلبية تطلعاتهم.

يمثل متحف مجلس الإعلام من خلال هذا النهج، نموذجاً حقيقياً لمتحف الجيل الجديد. ومن خلال التركيز على إشراك وشمول المجتمع، نسعى لضمان شعور الزوّار بتواصل حقيقي مع ما يشاهدونه ويسمعونه ويساهمون به. ومع أن التحدّيات كبيرة أمام خلق مساحة تفاعلية شاملة، إلا أن هناك فرصاً هائلة، ونحن نعدّ جزءاً لا يتجزأ من الحركة المتنامية لإعادة تشكيل مفهوم المتحف.

متحف مجلس الإعلام هو المتحف الأول من نوعه في العالم العربي الذي يركّز على الفن والإعلام والتكنولوجيا. وهو مؤسسة متكاملة في المدينة التعليمية في الدوحة، ونهدف إمن خلاله للوصول إلى الطلاب والباحثين، وكذلك إلى جميع سكان دولة قطر وزوّارها. الدخول إلى المتحف مجاني للجميع، وتعرض الأعمال باللغتين العربية والإنجليزية.

تركّز كل معارضنا على مواضيع محددة تعكس زوايا متعددة – من السينما والفن والإنتاج الإعلامي إلى العلوم الاجتماعية والاتصال والصحافة والتقنيات الحديثة. وباتباع نهج متعدد التخصصات في التنسيق، نسعى للتأقلم مع التغيرات السريعة في مشهد الإعلام، مما يمكّننا من اكتشاف تأثير هذه التغيرات على الثقافة والمجتمع محلياً وعالمياً.

أنا فخور بأننا نساهم في إثراء المشهد الثقافي المزدهر وتعددية الآراء في مدينة الدوحة وقطر ومنطقة الخليج بشكلٍ عام. إذ يعكس متحف مجلس الإعلام الحيوية التي تميّز مدينة الدوحة، التي تتطلّع للمستقبل وتحتضن الابتكار بتفرد، حيث تتقاطع فيها الثقافات والقارات واللغات.

وننتقل للتخطيط لإقامة أي معرض جديد، أحاول دائماً في هذه الخطوات أن أضع نفسي مكان الزائر: كيف سيجد الزائرون هذه المساحة؟ كيف يمكننا إلهامهم والتأثير على أفكارهم؟ كيف يمكن للمعرض أن يحفّز المحادثات الهادفة، ويشجّع الزوّار على تبادل أفكارهم ومشاركة قصصهم؟

بينما نتناول موضوعات عالمية كبيرة – مثل معاني وإمكانات الميتافيرس وتأثير الهواتف الذكية على الصحافة – فإننا نستكشف هذه القضايا بطرق ذات صلة، من خلال إبراز تجارب وأصوات المجتمع المحلي والعالم العربي بشكلٍ أوسع. إن وضع منظور الجنوب العالمي في ركيزة أعمالنا ويعدّ جزءاً أساسياً من رسالتنا، حيث تشكّل المشاركة المجتمعية ركيزة رئيسية لرؤيتنا.

“هناك دائماً جانب آخر للقصة” هو شعار متحفنا. نسعى لمساعدة الزوّار على استكشاف هذا المفهوم من خلال دعوتهم للمشاركة في برامج ثقافية، مثل الندوة التي عقدناها في 26 أكتوبر 2024 بالتعاون مع منصة “عفكرة” الإعلامية العالمية. تضمنت الفعالية نقاشات وورش عمل مجانية، إلى جانب عروض موسيقية حية لموسيقى إلكترونية عربية وأداء من فرقة برجر بدوي “Bedouin Burger”. ارتبطت هذه الفعالية بمعرضنا الرائد حول اللغة العربية بعنوان “حدود لغتي حدود عالمي”، والذي استمر حتى 5 ديسمبر 2024.

سيتمكن الزوّارخلال فترة 15 يناير إلى 15 مايو 2025 من استكشاف العلاقة بين الذكاء الاصطناعي والصحافة الاستقصائية في معرض جديد بعنوان “الذكاء المُصطنع، اي أو لا؟”، ومن خلال السرد القائم على الأدلة، وعروض البيانات، ودراسات الحالة، والتفسيرات الفنية، سيتناول المعرض مفاهيم خاطئة حول الذكاء الاصطناعي، ويدرس آثاره المحتملة، ويبحث في كيفية استخدامه لدعم الصحافة والصالح العام. وسيقدّم المعرض أعمالاً لـ 25 فناناً  محلياً مع مئات الأعمال الفنية المستعارة من متاحف ومؤسسات دولية.

إنه لشرف كبير لنا أن نشارك هذا العمل المتطوّر مع مجتمع قطر المتنوع. هدف متحف مجلس الإعلام هو دفع الزوّار لطرح أسئلة عميقة حول الفن والإعلام والثقافة والمجتمع، وتحفيزهم على الانخراط في حوار مفتوح حول القضايا الملحّة التي تؤثر علينا جميعاً – باختصار، خلق لوحة غنيّة من السرديات من جميع أنحاء العالم. أتمنى أن يشعر الزوّار- كما أشعر أنا- أنهم جزء من التحوّل عندما يتفاعلون مع معارضنا أو فعالياتنا.

 بقلم الدكتور ألفريدو كراميروتي

عن آمنة البوعناني

Check Also

   8 قطاعات تنموية تخدمها تكنولوجيا الطائرات من دون طيار في السعودية

      بقلم ربيع بو راشد، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة فيدز للحلول المعتمدة على …

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *