بنسعيد يكشف تفاصيل قانون ينظم “السوشيال ميديا” ويلزم بحذف المحتويات الهدّامة

كشف محمد المهدي بنسعيد، وزير الثقافة والشباب والتواصل، أن الانتشار المتسارع لمنصات التواصل الاجتماعي والتطبيقات الرقمية، وما صاحب ذلك من مخاطر على تماسك النسيج المجتمعي، يبرز “الحاجة الضرورية إلى إعداد إطار قانوني وطني متكامل، قادر على مواكبة التحولات التقنية، وحماية القيم المجتمعية دون المساس بحرية التعبير، بهدف ضبط المجال الرقمي بما في ذلك المنصات الرقمية”.

وشدد بنسعيد، اليوم الأربعاء، خلال اجتماع لجنة الثقافة والتعليم بمجلس النواب، على الحاجة إلى تنظيم وسائل التواصل الاجتماعي عبر “مقتضيات قانونية تنظم المحتوى، وتحمل الفاعلين مسؤوليات واضحة، وتعزز آليات الرقابة الذاتية والمؤسساتية، وتضع حداً لحالة الفراغ التشريعي التي تستفيد منها اليوم المنصات الرقمية الأجنبية خارج نطاق الرقابة القانونية فوق التراب الوطني”.

ويهدف هذا الإطار القانوني، وفق بنسعيد، إلى “توسيع صلاحيات الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري لتمكينها من ضبط هذا المجال وفق منظور يجمع بين حرية التعبير، حماية الجمهور، والعدالة الرقمية، مع إعطاء أهمية قصوى لدور الدولة في حماية الجمهور من التأثيرات السلبية للمحتوى الرقمي، وتفعيل آليات التعديل الذاتي والرقابة المؤسسية”.

وشدد بنسعيد على أن وزارة الشباب والثقافة والتواصل “تشتغل حاليا على إعداد هذا الإطار القانوني، قبل عرضه على المسطرة القانونية الجاري بها العمل”.

واعتبر أن “التجارب الدولية الهامة في مجال ضبط وتقنين وسائط التواصل الاجتماعي تشكل مرجعاً هاماً يمكن الاستئناس به في هذا المجال”، مشيرا إلى التشريع الأوروبي المتعلق بالخدمات الرقمية المعروف اختصاراً بـ DSA – Digital Services Act الذي دخل حيز التنفيذ في الاتحاد الأوروبي ابتداءً من سنة 2023.

ويُعد هذا النص، وفق بنسعيد، من “أكثر التشريعات تقدمًا على الصعيد العالمي في تنظيم المنصات الرقمية الكبرى، حيث يفرض عليها التزامات صارمة تتعلق بالشفافية، ومحاربة المضامين غير القانونية، وضمان سلامة المستخدمين لاسيما القاصرين منهم، بالإضافة إلى آليات فعالة لإزالة المحتويات السلبية بشكل سريع، كما يمنح القانون الأوروبي سلطات واسعة للهيئات التنظيمية في الدول الأعضاء لتتبع المنصات وفرض جزاءات في حال الإخلال بالواجبات القانونية”.

ولفت المسؤول الحكومي إلى أنه من أهم خصائص الإطار القانوني الجديد “إعطاء تعريف دقيق لخدمة المنصة الرقمية أو منصة مشاركة المحتوى على الأنترنت (وسائط التواصل الاجتماعي)، مع إخضاع مقدمي هذه المنصات إلى التزامات قانونية واضحة، تسعى إلى هيكلة العلاقة بين الدولة والمنصات الرقمية”.

وأشار الوزير نفسه إلى أن تعيين ممثل قانوني داخل التراب الوطني يشكل أحد أبرز النقاط “حيث يلزم كل مقدم الخدمة منصة رقمية تستهدف الجمهور المغربي، سواء من خلال المحتوى أو عبر تحقيق أرباح داخل السوق الإشهاري الوطني، بتعيين ممثل قانوني معتمد فوق التراب الوطني، حيث يكون هذا الممثل المخاطب الرسمي للدولة”، مبرزا أن “هذا الإجراء يهدف إلى تجاوز حالة الفراغ التشريعي التي تمنح المنصات الرقمية الأجنبية حرية العمل دون رقابة فعلية، كما يُوفر آلية عملية لتفعيل المراقبة والزجر في حالة وقوع خروقات أو امتناع عن التعاون مع السلطات الوطنية”.

ولفت إلى اعتماد نظام لتعديل المحتوى “Moderation de contenu” عبر “إلزام منصات التواصل الاجتماعي بوضع نظام فعال لتعديل المحتويات المعروضة على خدماتها، مفيدا أن هذا النظام يشمل “Algorithmes techniques” ترصد بشكل آلي المضامين غير القانونية، خصوصاً تلك المتعلقة بالعنف، الكراهية، الأخبار الزائفة، أو المحتويات الموجهة بشكل غير مناسب للقاصرين. كما ينبغي أن توفر المنصة آليات واضحة للتبليغ من طرف المستخدمين، تتيح سرعة التجاوب مع الشكايات”.

وأشار إلى حماية القاصرين والجمهور الناشئ عبر “إلزام المنصات الرقمية باتخاذ مجموعة من التدابير لحماية القاصرين والجمهور الناشئ من المحتويات الضارة أو غير الملائمة. ويشمل ذلك تصنيف المحتويات وفق الفئات العمرية، تفعيل أدوات الرقابة الأبوية، منع الإشهارات التي تستغل ضعف القاصرين أو تروج لمنتجات ضارة، مسح أي محتوى يُمكن أن يؤثر سلباً على تطورهم النفسي أو السلوكية”.

وأردف بنسعيد بالإشارة إلى محاربة الأخبار الزائفة والمضامين غير القانونية عبر “إخضاع المنصات الرقمية لواجب التصدي الفوري للأخبار الكاذبة أو المحتويات الزائفة أو المحرضة على العنف، أو الإرهاب، أو التمييز العنصري أو العرقي أو الديني، عبر تفعيل آليات إزالة المحتوى، والتعاون مع السلطات الوطنية في تنفيذ قرارات الهيئة العليا بالحجب أو التقييد”.

كما تلتزم المنصات، وفق بنسعيد، “بعدم ترويج محتويات تخفي طبيعتها الدعائية أو تضليلية. وتعد هذه الالتزامات ضرورية لضمان السلامة المعلوماتية للمجتمع، وتفادي الفوضى الرقمية التي يمكن أن تؤثر على الاستقرار العام أو تضر بثقة المواطنين”.

وأشار إلى الخضوع للمراقبة والمساءلة المالية عبر “إلزام المنصات الرقمية بالنظر لكونها تحقق أرباحا من السوق الإشهاري المغربي، بالإدلاء بتصريحات ضريبية شفافة، واحترام مقتضيات العدالة الضريبية، والتعاون مع السلطات المالية (مديرية الضرائب، بنك المغرب، ومكتب الصرف…) خصوصا في حال صدور توصيات من الهيئة العليا بمنع أو تقييد تحويل الأموال بسبب المخالفات”.

ويُمثل هذا البعد المالي والاقتصادي، وفق الوزير بنسعيد، “رافعة مهمة لضبط سلوك المنصات العابرة للحدود، وتكريس مبدأ الإنصاف في المعاملة بين الفاعلين الوطنيين والدوليين”.

واعتبر أن هذا الإطار القانوني الجديد يمكن أن “يمنح دورا محوريا للهيئة العليا للاتصال السمعي البصري من خلال توسيع صلاحياتها وتعزيز سلطتها التنظيمية والرقابية، بما يجعلها قادرة على مواكبة التحولات العميقة التي يشهدها الفضاء الرقمي، والتصدي للمخاطر المتزايدة المرتبطة بالمحتوى السمعي البصري الذي يُبث عبر المنصات الاجتماعية، لاسيما عندما يكون موجها للجمهور المغربي خصوصاً فئة القاصرين والجمهور الناشئ”.

وفي هذا الإطار، يضيف بنسعيد، “يمكن إلزام المنصات الرقمية الأجنبية التي تستهدف الجمهور المغربي وتدرّ أرباحًا من السوق الإشهاري على المستوى الوطني، بأن يلتزم الممثل القانوني للمنصة الرقمية فوق التراب الوطني، بصفته مخاطباً مباشراً ومسؤولاً بالتعاون مع الهيئة العليا، والامتثال لمقتضيات القانون، حيث يمكن أن تعدّ هذه الآلية خطوة أساسية لتجاوز عوائق السيادة التنظيمية، وضمان خضوع الفاعلين الرقميين الدوليين للمراقبة والمساءلة، على غرار ما تنص عليه التشريعات الأوروبية، وخاصة قانون الخدمات الرقمية الأوروبي (DSA)”.

وأفاد أن الإطار القانوني للهيئة العليا يمنح “صلاحيات موسعة في ما يتعلق بمراقبة نشاط المنصات الرقمية داخل المغرب، حتى في غياب مقر مادي لها، شريطة أن يكون المحتوى المعروض موجهاً للجمهور الوطني أو يحقق عائدات منه. كما يخوّل لها أيضًا إمكانية مطالبة الممثل القانوني للمنصة بتقديم تقارير دورية حول أنظمة تعديل المحتوى، وآليات التبليغ، ومدى التفاعل مع شكايات المستخدمين، وكذا المعطيات الإحصائية حول المضامين المحذوفة أو المثيرة للجدل”.

عن أسيل الشهواني

Check Also

“إدارية الرباط” تنصف منتخبين وتُنهي جدل التجريد من العضوية للتخلي عن الانتماء السياسي

أصدرت محكمة الاستئناف الإدارية بالرباط، خلال يوم 13 ماي 2025، قرارا قضائياً مهماً في ثلاث …

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *