
الخط :
أصدر مجلس النواب مؤخرًا تقريرًا عن “آفاق الذكاء الاصطناعي وتأثيراته”، من إعداد مجموعة العمل الموضوعاتية المؤقتة، وهو جهد يبدو في ظاهره خطوة مهمة نحو مواكبة الثورة الرقمية، لكنه في جوهره يعكس رؤية محدودة لا ترقى إلى مستوى المؤسسة التشريعية والدستورية التي تمثل عمق الإرادة الشعبية وصوت الأمة، بحيث وبدلًا من تقديم تصور متوازن يجمع بين حماية الخصوصية وتشجيع الابتكار، سقط التقرير في فخ التخوف المبالغ فيه من التكنولوجيا، وهو موقف يعكس نقصًا واضحًا في الفهم العميق لدور الذكاء الاصطناعي في تعزيز الحوكمة والتنمية الاقتصادية.
ولم يكتف التقرير الذي اطلع “برلمان.كوم” عليه، بهذا، بل تجاهل أيضًا النماذج الدولية الناجحة في تنظيم الذكاء الاصطناعي وحماية المعطيات الشخصية، مثل قوانين حماية البيانات في أوروبا (GDPR) والولايات المتحدة (CPRA)، التي تسعى لتوفير إطارات قانونية متقدمة تحفظ الخصوصية وتضمن الشفافية دون كبح الابتكار، وهي تجارب تثبت أن حماية المعطيات الشخصية لا تعني بالضرورة عرقلة التقدم التكنولوجي، بل تهدف إلى خلق توازن يضمن حماية الأفراد دون التضحية بالمكاسب الاقتصادية.
وفي السياق المغربي، نجد أن اللجنة الوطنية لمراقبة حماية المعطيات ذات الطابع الشخصي (CNDP) تضطلع بأدوار محورية تضمن هذا التوازن، حيث تتمثل مهامها الأساسية في الإخبار والتحسيس، من خلال توعية الأفراد والهيئات بحقوقهم والتزاماتهم القانونية؛ والاستشارة والاقتراح، عبر تقديم المشورة للحكومة والبرلمان حول مشاريع القوانين؛ والحماية، من خلال معالجة الشكايات المرتبطة بانتهاك المعطيات الشخصية؛ والمراقبة والتحري، لضمان الالتزام بالقانون؛ وأخيرًا اليقظة القانونية والتكنولوجية، لمتابعة التطورات الدولية في هذا المجال.
هذا الدور الذي تضطلع به اللجنة الوطنية يعكس التوجه المغربي نحو مقاربة متوازنة بين حماية الخصوصية وتشجيع الابتكار، وهو ما أغفله التقرير البرلماني الذي تبنى رؤية أكثر تحفظًا لا تتماشى مع روح العصر الرقمي.
في المحصلة، يحتاج المشرع المغربي إلى مراجعة رؤيته للذكاء الاصطناعي بما يعكس الواقع المتغير للعالم الرقمي، ويستفيد من التجارب الرائدة بدل أن يظل أسيرًا لمخاوف قديمة تعيق تطوره ومواكبته للتحديات الجديدة.