خبراء يرسمون ملامح ما بعد نزاع الصحراء.. ما مصير البوليساريو؟

تشير ورقة تقدير موقف حديثة صادرة عن المركز المغربي للدبلوماسية الموازية وحوار الحضارات، إلى أن نهاية النزاع حول الصحراء الغربية المغربية تبدو وشيكة. ورغم أن البعض قد يعتبر هذه الفرضية مستبعدة، فإن العديد من المؤشرات، سواء على الأرض أو على مستوى التحولات الجيوسياسية، ترجح هذا الاحتمال.

وتؤكد الورقة، الذي أعدها لجنة من الخبراء والباحثين، بتنسيق من الدكتور محمد الزهراوي رئيس اللجنة والدكتور عبد الفتاح البلعمشي رئيس المركز، أن الصراع بين المغرب والجزائر دخل مراحله الأخيرة، خاصة في ظل العجز الواضح للجارة الشرقية عن ضبط إيقاع التحولات الإقليمية والدولية المتسارعة، معتبرا أن هذه التحولات تجعل خيار الانفصال غير وارد إن لم يكن مستحيلاً. بعيدًا عن القراءات المتباينة والدعاية السياسية والإعلامية.

وترى أنه في ظل الدعم الدولي المتزايد لمبادرة الحكم الذاتي المغربية، والذي يتجلى في تبنيها من قبل قوى كبرى مثل الولايات المتحدة وفرنسا، إضافة إلى دول إقليمية مؤثرة كألمانيا وإسبانيا ودول الخليج، فضلًا عن عدد من الدول الإفريقية، يبدو أن خيار الانفصال بات من الماضي. ويعزز هذا الطرح التحولات الجارية على حدود الجزائر في منطقتي الساحل والصحراء، مما يجعل من الحكم الذاتي خيارًا واقعيًا لحل النزاع، رغم ما ينطوي عليه من صعوبات.

ومع تزايد الاهتمام بتفاصيل مبادرة الحكم الذاتي من قبل المبعوث الأممي ستافان دي ميستورا وبعض العواصم الغربية، خلال الإحاطة الأخيرة التي قدمها للأمين العام للأمم المتحدة في أبريل 2025، تطرح العديد من الأسئلة حول كيفية تطبيق هذا الحل على أرض الواقع. وترى الورقة أن التحديات الجيوسياسية والتعقيدات الموضوعية قد تفرض صعوبات تتطلب معالجتها بحذر، خاصة في ما يتعلق بمصير تنظيم البوليساريو وساكنة مخيمات تندوف، إذا تم التوافق على الحكم الذاتي.

أحد الأسئلة الرئيسية التي تناقشها ورقة تقدير الموقف يتعلق بمصير قيادات البوليساريو، خاصة قيادات الصف الأول. سواء انخرطت الجبهة في مبادرة الحكم الذاتي طوعًا أو رفضتها، فإن مستقبل هذه القيادات سيظل موضوعًا معقدًا. وفي حال فرض تطبيق المبادرة بدعم أممي ومباركة مجلس الأمن، فإن القيادة الحالية للجبهة قد تجد نفسها أمام واقع جديد يضع موقعها موضع تساؤل. كما يشير الورقة إلى أن بعض القيادات المنتمية إلى مكونات قبلية أو جغرافية غير معنية بالنزاع قد تواجه مصيرًا مختلفًا عن غيرها.

من المتوقع، بحسب الورقة، أن يؤدي تطبيق الحكم الذاتي إلى منافسة بين النخب المحلية في المناطق الجنوبية وقيادات البوليساريو على مواقع المسؤولية في المؤسسات الجهوية، كبرلمان الجهة والحكومة الجهوية. وقد يُترجم هذا التنافس إلى صراع جديد بأبعاد مختلفة عن السابق، مما يبرز أهمية دور المؤسسة الملكية في ضمان التوازن خلال مرحلة ما بعد النزاع.

أما عن سلاح البوليساريو، فيرى الخبراء أنه من أبرز الإشكالات التي قد تطرح خلال مرحلة التفاوض، حيث تتطلب تجربة الانخراط في الحكم الذاتي تفكيك البنية العسكرية للجبهة بشكل نهائي. وتشدد الورقة على أن الحل يجب أن يتضمن دعمًا دوليًا واضحًا، خاصة أن الميليشيات المسلحة غالبًا ما تتردد في التخلي عن سلاحها. وتطرح خيار دمج بعض قيادات البوليساريو ضمن الأجهزة الوطنية كأحد الحلول الممكنة، رغم تعقيد هذا الخيار نظرًا لتركيبة الجبهة العسكرية التي تبلورت على مدى عقود.

تفكيك تنظيم البوليساريو على المستويين العسكري والمدني يشكل بدوره تحديًا معقدًا، إذ يرتبط التنظيم بشكل وثيق بما يسمى “الجمهورية الصحراوية”، التي وإن كانت وجودها غير قانوني من منظور المغرب، إلا أنها أسست شبكة علاقات على مدى سنوات طويلة. وترى الورقة أن تفكيك هذه البنية يستلزم مقاربة شاملة تشمل إعادة دمج النخب التي كانت تدافع عن الانفصال ضمن المؤسسات الوطنية.

أما فيما يتعلق بسكان مخيمات تندوف، فتعتبر الورقة أن إدماجهم في المجتمع المغربي يعد من أصعب التحديات. فإلى جانب الهوية الاجتماعية المعقدة، تبرز إشكالية تحديد من يحق له العودة في ظل تضارب الأرقام حول أعداد الصحراويين، حيث تقدر الجزائر العدد بأكثر من 160 ألفًا، بينما تقدر إحصائيات إسبانية سابقة العدد بين 40 و60 ألفًا. وترى أن غياب إحصاء دقيق بسبب رفض الجزائر السماح به يزيد من تعقيد هذه المسألة.

وتشير الورقة إلى أن المغرب، رغم استعداده لاستيعاب العائدين، قد يتعامل بحذر مع المكونات الاجتماعية المتعددة داخل المخيمات، خاصة أن بعض السكان ينحدرون من خلفيات قبلية وجغرافية مختلفة. وفي ظل هذا الواقع، قد يتطلب الأمر إجراءات دقيقة لضمان عودة سلسة لا تؤدي إلى انقسامات مجتمعية.

في الختام، تؤكد ورقة تقدير موقف أن الوصول إلى حل نهائي للنزاع حول الصحراء الغربية المغربية يتطلب معالجة واقعية ومرنة لمسألة البوليساريو وساكنة المخيمات. ومع الدعم الدولي المتزايد لمبادرة الحكم الذاتي، يبدو أن إنهاء النزاع ممكن، لكن التحدي الأكبر يكمن في ضمان انتقال سلمي ومستدام يحافظ على الاستقرار ويحقق التنمية.

عن أسيل الشهواني

Check Also

الطالبي العلمي يقود وفدًا برلمانيًا مغربيًا في المنتدى الاقتصادي الموريتاني-المغربي الذي يواصل فعالياته بنواكشوط

الخط : A- A+ تتواصل، اليوم السبت 10 ماي الجاري، بالعاصمة الموريتانية نواكشوط، أشغال المنتدى …

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *