تسخينات خارجية لمؤتمر بارد داخليًا! – برلمان.كوم

الخط :

منذ ربع قرن و«ديمقراطية» البيجيدي لا تأتي إلا بواحد من اثنين.. إما عبد الإله بنكيران، أو سعد الدين العثماني. الضيوف ينالون حظهم من سخرية الزعيم من أعلى منصة المؤتمر.. والضيوف الأجانب رسالة تسخين خارجية إلى الدولة: لم تحترموا وحدة المغرب ولا شرعية نظامه السياسي!

انتهى المؤتمر الوطني التاسع لحزب العدالة والتنمية إلى ما كان منتظرًا منه! ولم تحدث أية مفاجأة بخصوص قيادته المنبثقة عنه، حيث عاد عبد الإله بنكيران إلى الزعامة، خليفةً لنفسه.

ومما زاد من عبثية المشهد، هو أن المغاربة، المتتبع منهم أو غير المتتبع، لم تنطل عليهم «حبال السحر» التي حاول البنكيرانيون أن يلوحوا بها للدعاية إلى وجود ديمقراطية في التنافس.

حيث تكرر الفيلم نفسه الذي شاهدوه في المؤتمر الوطني الثامن، من منافسات لبعض الأسماء، سرعان ما تنازل بعضها وانسحب البعض الآخر، ليحصل عبد الإله بنكيران على نسبة تقارب 70٪ من الأصوات، كما لو أن الباقين ذابوا مثل الملح في ماء المؤتمر!

ولم يكن المتتبعون الأكثر دقة في الترقب ليغفلوا أن «ديمقراطية» البيجيدي لا تأتي إلا بواحد من اثنين.. إما عبد الإله بنكيران، أو سعد الدين العثماني، وذلك منذ ربع قرن من الزمن السياسي!

في تناوب غريب، لم ير الناس له مثيلًا، يأتي بسعد الدين فترة ثم يأتي بعبد الإله في الفترة التي تعقبها وهكذا دواليك.. كما لم يحدث في أي حزب سياسي مغربي منذ الاستقلال!

ولم تحدث أي مفاجأة من المفاجآت قبل المؤتمر كذلك، حيث توجه المؤتمرون وهم على علم بالخلافات العميقة التي قسمت القيادات، ومنها قيادات ساهمت في بلورة أدبيات الحزب، ومنها قيادات أخرى طبعت وجوده السياسي طوال عقدين من الزمن، ومنها قيادات تولت المسؤوليات السياسية الحكومية أمثال مصطفى الرميد، وعزيز الرباح، وعبد القادر اعمارة، وغابت وجوه أخرى من «رادارات» المؤتمر أمثال لحسن الداودي ونجيب بوليف وغيرهما!

ولعل الفقرة الأكثر إثارة في التعليق هي التي حاول من خلالها عبد الإله بنكيران توظيف اسم «وزارة الداخلية» في معركة التسخينات التي تهم المؤتمر، حيث عمد إلى التشهير بهذه الوزارة والضغط الإعلامي عليها، من أجل أن تسلمه المبلغ الذي يعقد به المؤتمر، لكن «الزعيم» لم ينتبه إلى أن الزمن تغير، وأن الضغط الإعلامي لا يسمح لوزير الداخلية بأن يصرف له أموال الناس والدولة بدون وجه حق. وخاصة وأنه لم يكن بالإمكان أن تجد الوزارة معه أي حل مع وجود نصوص قانونية حاسمة لن يفلت منها حتى الوزراء أنفسهم!
وهذا الموضوع، استعمله لـ«تسخين» المؤتمرين وفتح باب التبرعات، لعل المواطنين والمواطنات من حزبه يسارعون إلى دعمه والمساهمة في جمع الأموال. وهو ما حصل!

وقد حاول أن يلعب هذه الورقة داخل المؤتمر، مرة بمحاولة التقليل من الوزارة وتأليب الحاضرين عليها (قائلًا: راكم كليتو فلوس العدالة والتنمية ماشي فلوس وزارة الداخلية)، ومرة باستعمال اسمها بشكل فظيع وغير مهذب مع… ضيوفه!

وهنا ننتقل إلى نقطة لم يسبق أبدًا لأي حزب أو زعيم أو مغربي بسيط أن استعملها في حق ضيوفه كما فعل بنكيران مع من يعتبرهم إخوانه وحلفاءه! فلم يسلم الضيوف في المؤتمر من «تقريعاته»، واستوى في ذلك زعيم حزب التقدم والاشتراكية الرفيق نبيل بنعبد الله مع زعماء الحركة الشعبية، ولاسيما امحند العنصر!

فقال في حق هذا الأخير، ساخرًا ومتنمرًا باللمز والغمز (التقلاز من تحت جلبابه الواسع)، مستعملًا الداخلية مجددًا: «يبدو أن داك الباسيج “passage” (تحمل المسؤولية) اللي درت في الداخلية كان له تأثير على التعامل معنا»!
ثم جاء بعد ذلك تلويحٌ غير ودي في حق نبيل بنعبد الله، لما لمح إلى أنه طلب منه أن «يحل حزبه ويلتحق بالعدالة والتنمية»، ومما زاد في الطين بلة أنه قال بأن بنعبد الله يقول له نفس الشيء «لما يطير له من داك الحزب ديالو»!!!

ولعل أهم ما انتبه له المتابعون والمنشغلون بالأسئلة التي تهم البلاد، هو طبيعة الحضور الأجنبي في المؤتمر.
وفي الواقع، سعى بنكيران ومن معه إلى تسخينات خارجية، بعد أن ثبت لهم أن المؤتمر بارد داخليًا بالرغم من كثرة اللغط والنفير وما سبق ذكره!

وبعد ورقة حماس والفشل في تحويلها إلى استراتيجية تواصلية داخليًا، ودون الدخول فيما كانت تعنيه، انتبه الجميع إلى وجود ثلاثة ضيوف، حولهم أسئلة عديدة بخصوص الموقف من المغرب:

الأول هو الداعية الموريتاني محمد الحسن ولد الددو، الذي تقاسم الكثيرون مقاطع من كلمة له حول الصحراء المغربية، وحول التبخيس المتعمد والواضح للاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء والتقليل من آثار ذلك قانونيًا، تمامًا كما كان خصوم المغرب الألداء في الجزائر وفي تندوف وفي المواقع الانفصالية يقولون! بل شبه الاعتراف بسيادة المغرب على صحرائه بالاعتراف بإسرائيلية القدس! ولم يغفر له المغاربة أنه سعى إلى الكذب والبهتان في قضية القدس التي يرأس لجنتها جلالة الملك محمد السادس، والتلبيس في قضية السيادة المغربية والتلميح إلى التشبه بين قضية الصحراء وقضية القدس!!!!

أما الشخص الثاني فهو المبعوث التركي، دوغان بيكين، نائب رئيس حزب الرفاه الجديد، الذي تحدث عن «هؤلاء الذين بالحكم الآن يدعمون بعض الدول الغربية وهؤلاء مؤقتًا قريبًا سيسقطون».. ولعله تعمد الخلط في الحديث عن الحكم وليس الحكومة، وتحدث بمنطق المبشر الذي يعد المغاربة بعودة الحزب الإسلامي من أجل «توحيد 57 دولة إسلامية» تحت راية واحدة!

وهذا الحلم العثماني لم يكن هو الوحيد الحاضر لتسخين المؤتمر التاسع للبيجيدي، بل كان هناك أيضًا حضور ممثل النهضة التونسية، حزب راشد الغنوشي الموجود حاليًا رهن الاعتقال في تونس، والذي لم يغفر له المغاربة مواقفه وعمله، قبل أن يعتقله قيس سعيّد من أجل «مغرب عربي ثلاثي» بدون المغرب، في مسايرة مفضوحة للاستراتيجية الجزائرية في عزل المغرب!

كل هؤلاء الأجانب، عن الفكر السياسي الوطني وعن قضايا المغرب، كانوا مدخلًا من أجل بعث بعض الحرارة في شعارات المؤتمر بعد أن لم يكن ممكنًا التسخين بالوجود الداخلي.

وكان منتظرًا، على الأقل، أن يستصدر حزب عبد الإله بنكيران منهم مواقف «توبة» وتراجع عن الذي سبق من الإساءة إلى المغرب وقضاياه الحساسة، فيُحسب ذلك للـ«بيجيدي»، لكن لا شيء من ذلك، مما يجعلنا نتساءل عن الأهداف والخلفيات التي كانت وراء حضورهم ومنحهم منصة يقولون من خلالها ما يشاؤون… بدون اعتذار ولا تصويب ولا احترام يستحقه المغاربة!

عن أسيل الشهواني

Check Also

التقدم والاشتراكية يتباحث مع شيوعيي كوبا

يجري وفد من حزب التقدم والاشتراكية، برئاسة أمينه العام نبيل بنعبد الله، زيارته إلى كوبا، …

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *