بعد حسم مجلسه الوطني في هوية القيادة الجديدة للحزب وتجديد ثقته في الأمين العام السابق، عبد الإله بنكيران، لولاية جديدة، يدخل حزب العدالة والتنمية مرحلةً مغايرة في عمره السياسي باستعداده لخوض امتحانٍ انتخابيٍ قادمٍ، بخطاب وعرضٍ سياسيٍ، شبيه إلى قدر كبير، بالسردية التي كانت لدى قيادة “المصباح” قبل عقود.
ورافقت أشغال المؤتمر الوطني العادي التاسع لحزب العدالة والتنمية أسئلة مُلحة حول جلد الحزب قبل وبعد محطة 2011 التي تولى فيها قيادة الحكومة لأزيد من عشر سنوات والمواقف التي سيقنع بها الناخبين في استحقاقات 2026، خاصةً في ظل الانتقادات التي وجهت لتجربة “المصباح” على رأس السلطة التنفيذية والقرارات التي وصفت بـ”اللاشعبية” و”المنافية” لمرجعية ومنطلقات الحزب ذو التوجه الإسلامي والخلافات الحادة بين مؤسسي هذه التجربة السياسية.
عبد الرحيم العلام، أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية بجامعة القاضي عياض مراكش، اعتبر أن “حزب العدالة والتنمية أعاد عقارب الساعة ربع قرن تقريبا”، مبرزاً أنه “من خلال متابعة الأجواء المحيطة بمؤتمره المنعقد هذه الأيام، والنتائج التي أسفر عنها (قيادة الحزب، وأعضاء المجلس الوطني)، يكاد الأمر يشبه ما حدث في المؤتمرات الأولى للحزب من حيث طبيعة الأعضاء الذين تم ترشيحهم للأمانة العامة والمجلس الوطني، والتمويل الذاتي للمؤتمر من خلال جمع التبرعات، وحالة المشاكسة مع سلطات الداخلية”.
وأضاف العلام، في تدوينة نشرها على صفحته على موقع فايسبوك، أنه “يبقى السؤال: هل التشابه من حيث الشكل والأسماء يعكس نوعا من استعادة التنظيم الحزبي أم ضعفا في الاستقطاب والتجديد؟”، مواصلا في الآن ذاته أنه “من الصعب الجزم بجواب في الموضوع، ولكن مؤشرات عديدة تشير إلى أن حزب 2025 مختلف بشكل كبير عن حزب 1997 و2003، و2007”.
وعن دواعي هذا الاختلاف في خطاب وموقع الحزب بين هذه المراحل، يضيف المحلل السياسي، ضمن التدوينة التي اطلعت عليها جريدة “مدار21” الإلكترونية، أن “مياهاً كثيرة جرت أسفل قاعدة هذا الحزب منذ حوالي ربع قرن، لا سيما ما حدث منذ 2011″، مسجلاً أنه “إذا كان هناك تشابه في حالة الضعف التنظيمي والمالي بين اليوم والأمس، فإن ضعف اليوم انضاف إليه ضعف في المواقف، التي كانت هي عكاز الحزب لحظة قراره المشاركة في الحياة السياسية”.
وأشار المصدر ذاته إلى أن “ترهل جسمه التنظيمي (استقالة قيادات بارزة من حجم الرميد والرباح، وأكيد لديهم الكثير من المؤيدين الذين ساروا على نهجهم)، وسوء العلاقة مع أصله الدعوي حركة التوحيد والإصلاح (التطبيع، القنب الهندي، الفرنسة…)، والتراجع الملحوظ لمنظماته الموازية (النسائية، والجمعوية، والطلابية، والنقابية)، وربما ارتفاع نسبة الذين لم تعد لديهم قناعة بخصوص المشاركة السياسية يجعل مهمة العدالة والتنمية صعبة جدا في القادم من سنوات”.
وأورد المصدر نفسه أن “ما حدث للحزب قد يعود إلى ضعف خبرته السياسية أو يعود إلى الطبيعة الإنسانية لأعضائه، أو يعود إلى أصل المشاركة في حد ذاتها”، لافتاً إلى أنه “بخصوص النقطة الأخيرة يبدو أن جماعة العدل والإحسان ستكون من أهم المستفيدين من حالة الضعف التي ألمت بالعدالة والتنمية، لأنها كانت ترفض المشاركة في اللعبة السياسية، وكانت تقول بأن مشاركة حركة التوحيد والإصلاح من خلال حزب العدالة والتنمية في اللعبة السياسية لن تغير من الواقع شيء”.
وتابع الأستاذ الجامعي ذاته أن “اليوم وبعد ما حدث للحزب من ضعف، وما تلقاه من ضربات (آخرها مشكلة تمويل مؤتمره من مالية الدولة)، أكيد سيكون لسان حال جماعة العدل والإحسان يقول: “هذا ما حذرناهم منه”، مشددا على أنه “ليس بالضرورة أن موقف الجماعة صائب وموقف الحزب خاطئ، ولكن التحليل السياسي قد يكون صائبا، لأني لست بصدد تقييم المواقف وإنما فقط تحليل الوقائع (والتحليل نسبي في جميع الأحوال)”.