انتقد المجلس الوطني لحقوق الإنسان تقييد مشروع قانون المسطرة الجنائية لسلطة النيابة العامة في إقامة الدعوى العمومية في الجرائم الماسة بالمال العام، مدافعاً في الآن ذاته على حق جمعيات المجتمع المدني في الانتصاب طرفاً مدنياً خارج أي شروط إدارية أو مسطرية تكبيلية لهذا الحق.
وفي مذكرة حقوقية للمجلس تضمنت ملاحظاته وتوصياته بخصوص “مشروع وهبي” لتعديل مضامين قانون المسطرة الجنائية، أكد “مجلس بوعياش” ضرورة الإبقاء على سلطة النيابة العامة في إجراء الأبحاث وإقامة الدعوى العمومية تلقائيا في شأن الجرائم الماسة بالمال العام وإلغاء شرط الإحالة المسبقة من جهات رقابية محددة.
وبخصوص إقامة الدعوى المدنية وشروط انتصاب الجمعيات كطرف مدني، أورد المصدر ذاته أن لابد من إلغاء شرط الإذن المسبق من السلطة الحكومية المكلفة بالعدل، واعتماد نظام الإخطار بدلا من الترخيص، لضمان استقلالية الجمعيات في التقاضي، موصياً بإلغاء شرط الاعتراف بصفة المنفعة العامة كشرط مسبق لتدخل الجمعيات كطرف مدني، واستبداله بمعيار الأهلية القانونية، بحيث يسمح لجميع الجمعيات المؤسسة بصفة قانونية، والتي ينص قانونها الأساسي على الدفاع عن الفئات المتضررة، بالتقاضي دون الحاجة إلى إذن إداري مسبق.
ودعا المجلس، في الورقة التي اطلعت عليها جريدة “مدار21” الإلكترونية، إلى اعتماد معيار التخصص بدلا من الاعتراف الإداري، بحيث يسمح للجمعيات بالتدخل في القضايا التي تتعلق بمجال نشاطها وأهدافها المحددة في أنظمتها الأساسية، دون الحاجة إلى الحصول على صفة المنفعة العامة، مما يضمن مشاركة جمعيات أكثر تخصصا وخبرة في القضايا ذات الصلة، مشدداً على إلغاء شرط مرور مدة معينة على تأسيس الجمعية كشرط لممارسة حق التقاضي والاكتفاء باستيفاء الشروط القانونية للتأسيس والتجديد.
وانضم المجلس الوطني لحقوق الإنسان إلى قائمة المؤسسات الدستورية التي انتقدت التعديلات التي يحملها “مشروع وهبي” لقانون المسطرة الجنائية بتقديمه لأكثر من 100 توصية حول المشروع، مشددا على أن هذه التوصيات تهدف إلى تعزيز ضمانات العدالة الجنائية وتكريس مبدأ دولة الحق والقانون.
وألحت الورقة على تكريس مبدأ دولة الحق والقانون، خاصة ما يقتضيه ذلك من خضوع السلطات التنفيذية والقضائية على حد سواء لقيود المشروعية والضرورة والتناسب في أي إجراء يمكن أن يمس بالحقوق والحريات، المساواة أمام القانون، ومتطلبات الشفافية والمساءلة والمحاسبة، في انسجام تام مع مقتضيات الدستور.
وفي هذا السياق، اقترح المدلس أن يتم التنصيص على إمكانية الاستماع إلى المشتبه فيه دون إخضاعه للحراسة النظرية وضمان حقوق الدفاع وإقرار حق المشتبه فيه في الإعلام الفوري بمدة الحراسة النظرية وشكليات تنفيذها وإمكانية الطعن أمام جهة قضائية مستقلة، بما يكرّس مبدأ الشفافية والرقابة القضائية المتبادلة.
وبخصوص ضمانات المحاكمة العادلة، التي اعتبرتها الورقةأنها شرط غير قابل للتقييد، يشكل أساسا لمشروعية الإجراء القضائي برمته، أوصى المجلس بتمكين المشتبه فيه من الاتصال بمحاميه منذ التوقيف وتقليص مدد الحراسة النظرية واعتماد التوثيق السمعي البصري كضمانة إجرائية لضمان حقوق المشتبه فيه وتعزيز الشفافية.
وعن التكافؤ والتوازن بين أطراف الدعوى، باعتباره ضمانة جوهرية لاستقلال القضاء وحياده، من خلال تمكين الدفاع من ممارسة حقوقه على قدم المساواة مع سلطة الاتهام، شدد المجلس على ضمان حضور المحامي منذ لحظة الشروع في تنفيذ الحراسة النظرية وإتاحة الاطلاع للدفاع على ملف الشرطة القضائية المحال إلى النيابة العامة، بما يمكنه من إعداد دفاعه بفعالية ومواجهة أدلة الاتهام في ظروف متكافئة.
وفي هذا الصدد، دافع المصدر ذاته على تمكين الجمعيات المدنية من الولوج إلى القضاء دون قيود إدارية، خاصة إلغاء شرط الإذن المسبق من الجهة الحكومية المكلفة بالعدل، واعتماد نظام الإخطار بدلاً من الترخيص، بما يكرس استقلالية الجمعيات في ممارسة حق التقاضي.
واقترحت الورقة ذاتها آليات مسطرية تتجاوب مع خصوصيات االنساء والأطفال والأشخاص في وضعية إعاقة والمهاجرين، مطالبةً بمراعاة النوع الاجتماعي في حالات العنف ضد النساء وتفعيل مبدأ التيسير الإجرائي في قضايا الأشخاص في وضعية إعاقة واعتماد مقاربة وضعيات الأطفال في المسطرة من منظور المصلحة الفضلى للطفل، وتوفير الترجمة للمهاجرين.