الجزائر تحتمي بقانون التعبئة العامة للتغطية على عزلتها الدبلوماسية

صادق مجلس الوزراء الجزائري، برئاسة عبد المجيد تبون، على مشروع قانون يتعلق بالتعبئة العامة، يهدف إلى تنظيم كيفية إعلان التعبئة في البلاد في حال وقوع حرب أو أزمات تستدعي ذلك.

وقد أثارت هذه المصادقة، التي جاءت في سياق سياسي وأمني إقليمي متوتر، تساؤلات حول الغايات الحقيقية منها، وما إذا كانت تعكس تحضيرًا جزائريًا لخيارات حاسمة، في ظل ما تعيشه البلاد من عزلة دبلوماسية متزايدة، وتوتر متصاعد مع الجوار، خاصة مع المغرب.

ووفق بيان صادر عن رئاسة الجمهورية الجزائرية، فإن القانون “يهدف إلى تحديد الأحكام المتعلقة بكيفيات تنظيم وتحضير وتنفيذ التعبئة العامة، المنصوص عليها في المادة 99 من الدستور”، سواء في ظروف الحرب أو التوترات الخطيرة التي تستدعي تعبئة بشرية ومادية واسعة، أو في ظروف استثنائية أخرى.

وأفادت وكالة الأنباء الجزائرية بأن هذه التعبئة قد لا تقتصر فقط على القوات الاحتياطية العسكرية، بل تشمل أيضًا كل القطاعات والفئات المهنية الأخرى التي تستدعيها حالة الطوارئ، كما في حال انتشار الأوبئة أو أزمات مشابهة.

في تعليقه على المصادقة الجزائرية، اعتبر المحلل السياسي محمد شقير، في تصريح لجريدة “مدار21” الإلكترونية، أن المصادقة على مشروع قانون التعبئة العامة تأتي في إطار سلسلة من الإجراءات التي تبنتها الجزائر خلال السنتين الأخيرتين، والتي تعكس توجهًا استراتيجيًا جديدًا لحكام الجارة.

وأشار شقير إلى أن من بين أبرز هذه الإجراءات تعديل دستوري أُدخل سابقًا، أتاح للجيش الجزائري تنفيذ مهام خارج الحدود، وهو ما شكّل سابقة في تاريخ المؤسسة العسكرية الجزائرية.

كما أشار إلى أن ذلك رافقه حشد عسكري كبير على الحدود مع المغرب، بالإضافة إلى تنظيم عدد من المناورات العسكرية، في سياق يعكس تصاعد التوتر بين البلدين.

وسجل شقير أن هذه الخطوات تدخل ضمن تصور رسمي جزائري يعتبر المغرب “العدو الأساسي”، وفق ما تعكسه تصريحات عدد من المسؤولين الجزائريين، بمن فيهم الرئيس تبون، مؤكدًا أن العلاقات بين البلدين وصلت إلى حد القطيعة التامة.

واعتبر شقير في حديثه للجريدة، أن هذه المؤشرات تكشف أن الجزائر تتأهب أو تحاول استنفار الرأي العام الداخلي لإقناعه بأن المغرب يشكل تهديدًا حقيقيًا للأمن القومي الجزائري.

وأضاف أن هذا التوجه تعزز بشكل خاص بعد توقيع المغرب على “اتفاقات أبراهام” مع الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، والتي اعتبرتها الجزائر تهديدًا استراتيجيًا، ورأت فيها بوابة لتغلغل “صهيوني” في المنطقة.

وربط شقير بين هذه المعطيات والمصادقة على مشروع قانون التعبئة العامة، معتبرًا أن السياق السياسي الراهن الذي تعيشه الجزائر، والمتمثل في العزلة الدبلوماسية، سواء على خلفية التوتر مع فرنسا أو مع مالي، يدفع بالنظام الجزائري نحو التصعيد.

وأشار إلى أن الجزائر تعيش اليوم حالة من التأهب والعزلة، وأن هذه الخطوات تدخل ضمن استراتيجية موجهة بدرجة أولى للاستهلاك الداخلي، أكثر منها رسالة للخارج.

وأوضح أن النظام الجزائري، في ظل الحصار الذي يشعر به والعزلة التي تحاصره، يسعى إلى خلق حالة من التعبئة والاستنفار الداخليين، كنوع من تغطية الضربات السياسية والدبلوماسية التي تلقاها في الآونة الأخيرة، ومحاولة لحشد كل مكونات الرأي العام الوطني حول السلطة.

وتوقع شقير ألا تكون المصادقة على قانون التعبئة العامة نهاية المطاف، بل خطوة أولى ضمن سلسلة من الإجراءات التي قد تتخذها السلطات الجزائرية، معتبرًا أن النظام الجزائري يتصرف كما لو أنه يستعد لحرب، خاصة وأن هذا الخيار يبدو من بين الخيارات المحدودة المتبقية أمامه.

وذهب شقير إلى القول إن الجزائر اليوم لا تملك سوى خيارين، إما الدخول في حرب مباشرة مع المغرب، أو الجلوس إلى طاولة المفاوضات، خاصة بعد التحذيرات الأمريكية الأخيرة، والتي تضمنت منح النظام الجزائري مهلة مدتها ثلاثة أشهر للدخول في مفاوضات مع الرباط. وأكد أنه من المرتقب أن يقوم وسيط أمريكي بزيارة إلى المنطقة في محاولة لتقريب وجهات النظر بين الطرفين.

عن أسيل الشهواني

Check Also

بركة يعلن توسيع مشاركة المقاولات الصغرى في أوراش “مونديال 2030”

كشف وزير التجهيز والماء، نزاء بركة، عن مراجعة وزارته للشروط التي تضعها لتحديد المقاولات المتنافسة …

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *