يُعد التصحر واحدا من أخطر التحديات البيئية التي تواجه العالم اليوم، وهو ظاهرة تتسارع بفعل ارتفاع درجات الحرارة الناتج عن التغير المناخي، إضافة إلى سوء إدارة الكوارث البيئية.
ولا تقتصر آثار التصحر على الجفاف وانخفاض الإنتاجية الزراعية فحسب، بل تمتد لتشمل تدهور النظم البيئية، فقدان التنوع البيولوجي، وزيادة النزوح البشري، مما يهدد الأمن الغذائي والاقتصادي والاجتماعي لملايين البشر.
وتعريف التصحر ليس موحدا، لكنه يُفهم عادة على أنه تدهور الأراضي في المناطق الجافة وشبه الجافة وشبه الرطبة، نتيجة لتغيرات مناخية وضغط بشري مفرط.
وتتسم تلك الأراضي بقلة الأمطار وتقلّبها، ويؤدي استنزاف التربة وتراجع الغطاء النباتي إلى ضعف قدرة الأرض على التجدد.
أرقام تثير القلق
تتراوح تقديرات حجم الأراضي المتدهورة عالميا بين 15 و60 مليون كيلومتر مربع، ويعيش نحو ملياري شخص في أراضٍ جافة معرضة للتصحر.
بحسب التقديرات، قد ينزح ما يقرب من 50 مليون شخص بحلول عام 2030 بفعل التصحر وتغير المناخ، لتضرر مصادر رزقهم وانهيار النظم البيئية التي يعتمدون عليها.
ففي آسيا وحدها، سيعيش أكثر من ملياري شخص في ظروف جافة، بينما تُقدّر الأعداد في أفريقيا بنحو مليار شخص في السنوات القادمة.

أسباب التصحر
يعود التصحر إلى أسباب طبيعية وبشرية، يتقدّمها الجفاف المتكرر والمستمر، وهو ظاهرة تتزايد بفعل الاحترار العالمي.
تؤدي هذه الظروف إلى استنزاف مغذيات التربة، وتمنع نمو النباتات، فتتحول الأراضي إلى مناطق قاحلة. يُضاف إلى ذلك الأنشطة البشرية المدمرة كإزالة الغابات، التحضر السريع، التعدين، وتربية الماشية، والتي تؤدي إلى حلقة مفرغة تُفاقم التدهور وتزيد من انبعاثات الكربون.
أماكن حدوثه
تغطي الأراضي الجافة اليوم ما يقرب من 40% من سطح الكرة الأرضية، وتُعدّ آسيا وأفريقيا من أكثر المناطق تضررًا.
ففي آسيا الوسطى، تفاقم التصحر بشكل كبير منذ الثمانينيات، متأثرا بارتفاع درجات الحرارة وتراجع الأنهار الجليدية، خصوصا في مناطق مثل تيان شان شمال غربي الصين.
كما امتد التصحر إلى شمال أوزبكستان وقرغيزستان وجنوب كازاخستان، ما أدى إلى انحسار الأنهار الجليدية، ونقص المياه، وتأثر الزراعة والمجتمعات المحلية.
أما في أفريقيا، فيعاني نحو 45% من مساحة اليابسة من التصحر، وتواجه دول مثل موريتانيا وتنزانيا تدهورا خطِرا في الإنتاج الزراعي، مما يهدد الأمن الغذائي ويدفع القرويين إلى الهجرة، نتيجة دفن المنازل تحت الرمال وتراجع مصادر المياه.
تأثير التصحر
تتجلى آثار التصحر في تغير الغطاء النباتي، حيث تحلّ الشجيرات والنباتات الغازية محل النباتات المحلية، مما يؤثر على حيوانات الرعي ويُضعف قدرة المراعي على دعم الحياة البرية.
كذلك يؤدي التصحر إلى استنزاف المياه الجوفية، وزيادة العواصف الترابية التي تؤثر سلبا على صحة الإنسان. وتشير تقارير إلى أن هذه العواصف مسؤولة عن نسبة كبيرة من وفيات أمراض القلب والرئة، خصوصا في مناطق مثل الشرق الأوسط، الصحراء الكبرى، وجنوب آسيا.
ومن الناحية الاجتماعية والاقتصادية، يُفاقم التصحر من مشكلات الفقر، الهجرة، وتدهور سبل العيش. كما يُضعف الأمن الغذائي ويقلّل تنوع المحاصيل، ويؤثر على البنى التحتية ويزيد من هشاشة المجتمعات.
وفي الدول العربية، يُعدّ التصحر من أبرز التحديات البيئية نظرا لطبيعة المنطقة التي تهيمن عليها الأقاليم الجافة وشبه الجافة. ويُسهم تغير المناخ وسوء إدارة الموارد الطبيعية في تسريع وتيرة تدهور الأراضي، ما ينعكس مباشرة على حياة السكان واقتصادات الدول.
فالزراعة، التي تشكّل مصدر دخل رئيسي في العديد من الدول العربية مثل سوريا والسودان واليمن وموريتانيا، فهي مهددة بفعل تراجع خصوبة التربة، ونقص المياه، وتقلّص المساحات القابلة للزراعة، ما يؤدي إلى انخفاض الإنتاجية وتزايد الاعتماد على الاستيراد لتأمين الغذاء.
ولا يقف الأمر عند حدود الأمن الغذائي، بل يمتد ليشمل ندرة المياه، إذ تؤدي عمليات التعرية وتدهور الأراضي إلى تقلّص تغذية المياه الجوفية وتراجع كفاءتها، في وقت تعاني فيه معظم الدول العربية أصلًا من مستويات حرجة من الشح المائي. كما يتسبب فقدان الغطاء النباتي في زيادة العواصف الرملية، التي تؤثر على صحة الإنسان والبنية التحتية وتعطل سبل النقل والتجارة.
وتدفع هذه الظروف القاسية أعدادا متزايدة من السكان إلى الهجرة من الأرياف نحو المدن أو خارج البلاد، في ظاهرة تُعرف بـ”النزوح البيئي”، ما يُفاقم التحديات الاقتصادية والاجتماعية، ويزيد من الضغط على الخدمات الأساسية. أما على المستوى الاقتصادي، فتُكبّد الخسائر الناجمة عن التصحر الدول العربية مليارات الدولارات سنويا، سواء من انخفاض الإنتاج أو الحاجة إلى إصلاح الأراضي المتدهورة.
حل المشكلة
ومع كل هذه التحديات، تُطرح حلول مبتكرة وفعالة لمكافحة التصحر. ففي النيجر، على سبيل المثال، اعتمد المزارعون على تقنية “التجديد الطبيعي المُدار”، والتي تعتمد على إعادة نمو الأشجار المحلية من جذورها تحت الأرض، ما ساعد في تحسين خصوبة التربة وزيادة الإنتاج الزراعي.
وفي كينيا وتنزانيا، لجأت المجتمعات إلى حفر خنادق نصف دائرية لتجميع مياه الأمطار والحفاظ على رطوبة النباتات.
وفي الصين، ساهمت تقنيات تثبيت الكثبان الرملية عبر زراعة قش القمح والأرز بنمط رقعة الشطرنج في حماية القرى والبنية التحتية من زحف الرمال، وتحقيق فرص عمل للمجتمعات المحلية. كما أطلقت الصين مشروع “سور الصين الأخضر العظيم” بهدف زراعة 88 مليون فدان من الأشجار لمواجهة التصحر.
وفي أفريقيا، يجري تنفيذ مشروع “السور الأخضر العظيم” منذ عام 2007، لزراعة الأشجار واستعادة الأراضي في منطقة الساحل، رغم التحديات المتعددة التي واجهها المشروع. يهدف هذا الجهد إلى دعم الزراعة المحلية، تعزيز الأمن الغذائي، وخلق فرص عمل. وقد شهدت الخطة دفعة كبيرة من المجتمع الدولي لتسريع إنجازها.
وتدعو تقارير الأمم المتحدة إلى نهج عالمي أكثر تنسيقا لمكافحة التصحر، يتضمن تعزيز إدارة المخاطر، واعتماد تقنيات الزراعة المستدامة، والحفاظ على التنوع البيولوجي.