اعتبر أستاذ التعليم العالي في العلوم السياسية والقانون الدستوري والمحلل السياسي، عبد الرحيم المنار السليمي، أن مؤسسة الوسيط تتحدث كثيراً عن نفسها في تقاريرها، في حين أن علاقتها بالمواطنين لا تحظى بما يكفي من الاهتمام داخل تلك الوثائق.
وسلط عبد الرحيم المنار السليمي الضوء على أن عدداً كبيراً من المواطنين لا يعرفون المؤسسة، رغم أنها أُنشئت لتقوية العلاقة بين المواطن والإدارة، مشيراً إلى أن غياب التعريف بدور الوسيط يؤثر سلباً على مكانته.
وذكر السليمي اليوم الأحد خلال مشاركته في ندوة “وسيط المملكة، أفقا للمعرفة”، التي احتضنها رواق مؤسسة وسيط المملكة بالمعرض الدولي للنشر والكتاب، أن بعض المواطنين حين يُنصحون باللجوء إلى مؤسسة الوسيط، يتساءلون: “أين توجد هذه المؤسسة؟ وهل يمكن أن تفعل لي شيئاً؟”، ما يكشف وجود إشكال حقيقي في التواصل والانفتاح.
وتابع السليمي في معرض حديثه أن المؤسسة غائبة عن النقاشات الكبرى التي تشغل الرأي العام، مستشهداً بما وقع في كليات الطب، إذ لم يُسجل أي تدخل واضح منها، رغم أن وظيفتها تقضي بالوساطة واحتواء التوترات.
ولفت المحلل السياسي إلى “أن غياب المؤسسة عن الإعلام يضعف من إشعاعها، ويجعل المواطنين غير مطلعين على مهامها، متسائلاً: هل الوسيط يمنع من الحديث إلى الإعلام مثل قضاة المحكمة الدستورية؟” على حد تعبيره.
وأفاد السليمي بأن الصورة العامة للمؤسسة تبقى غير واضحة في الذهن المجتمعي، داعياً إلى ضرورة تجديد آليات التواصل والانفتاح، خاصة عبر وسائل الإعلام التقليدية والرقمية، لشرح أدوار المؤسسة واختصاصاتها.
كما أقر السليمي بوجود بطء في معالجة الشكايات، حيث يتقدم المواطن بتظلمه ولا يتلقى أي رد، ما يضعف ثقته في المؤسسة ويُفقدها نجاعتها لدى الفئات المتضررة.
وأضاف أستاذ التعليم العالي في العلوم السياسية والقانون الدستوري، أن محدودية الموارد البشرية داخل مؤسسة الوسيط تُشكل عائقاً إضافياً في وجه فعاليتها، وهو ما يفرض التفكير في تعزيز حضورها الجهوي بشكل أكثر دينامية.
واسترسل قائلا أن التقارير السنوية للمؤسسة يجب أن تركز على العلاقة بين المواطن والإدارة، بدل أن تتحول إلى وثائق للدفاع عن المؤسسة نفسها، معتبراً أن بعض المفاهيم المستخدمة داخل تلك التقارير “أكاديمية أكثر من اللازم”.
وذكر السليمي أن عدداً من الباحثين يتناولون مؤسسة الوسيط من زاوية قانونية ودستورية ضيقة، في حين أن المطلوب هو ربطها بالتحولات التي شهدها المغرب منذ سنة 2001، حين أُنشئت مؤسسة المظالم.
وأوضح أن مؤسسة المظالم ليست هي الوسيط، فالأولى لها امتدادات تاريخية داخل المجتمع المغربي، حيث كانت القبائل تمارس أدوار وساطة مع ممثلي الدولة، وهو بعد تاريخي ينبغي استحضاره في فهم التطور الحالي للمؤسسة.
وزاد موضحا أن الدستور منح مؤسسة الوسيط صلاحيات مهمة تتعلق بحقوق الإنسان وترسيخ مبادئ العدالة والإنصاف، لكن هذه المهام لا تُفعّل دائماً كما يجب في الواقع العملي.
وأكد السليمي أن المؤسسة مطالبة بخلق آليات واضحة لتتبع مدى استجابة الإدارات لتوصياتها، لأن غياب هذا التتبع يفتح الباب أمام تجاهل هذه التوصيات من طرف الإدارة.
كما أكد السليمي أن دور الوسيط لا يجب أن يكون محصوراً في التوصية فقط، بل في بناء الثقة بين المواطن والمؤسسات، مشدداً على أهمية الانتقال من منطق التفسير إلى منطق التأثير.