«وصية مريم».. مرثية فردية بحجم وطن في «الفجيرة للمونودراما»

لم يخيّب النجم، محمد حداقي، جمهوره الذي انتظر عرضه أو جاء للحضور من إمارات الدولة، فهو ابن المسرح البار، والمثل المشهود له بالموهبة والكفاءة، ولذلك تصدر حضوره المبدع والمؤثر عروض اليوم السادس من مهرجان الفجيرة للمونودراما، التي اكتفت بعرضين، بعد تأجيل العرض الألماني إلى عروض اليوم السابع والأخير، هما «وصية مريم» لمؤلفه جمال آدم، وإخراج الدكتور عجاج سليم، أداء محمد حداقي (خارج المسابقة)، والعرض الجزائري «اليوم الأخير» المنافس في المسابقة الرسمية، عن نص للكاتب قاسم مطرود، إخراج نور الدين كحيل، وأداء الممثلة شهيناز دريال.

مرثية وطن

على مدى 40 دقيقة مدة عرض «وصية مريم»، كنا أمام فرجة أشرق فيها حضور الممثل الذي تتعقبه العين في كل خطوة ونفَس، وهو يرتحل بنا في حكاية مدرّس تطارده ذكرياته عن تلميذته الطفلة التي دهستها سيارة عسكرية مسرعة، لتكون هذه الحادثة المفصلية في النص منطلقاً لمرثية بحجم الوطن السوري، وما يعيشه من مآسٍ وتحولات.

يتصدر الخشبة حبل عُلقت عليه العشرات من أحذية الأطفال، كنماذج عن آلاف الأطفال والأبرياء الذين راحوا ضحية قطار الموت والعنف، الذي عبر سورية من أولها إلى آخرها، ولنقف أمام فاجعة مدرس خسر كل من كان يفترض أن يكون المستقبل.

بأدوات بسيطة ورمزية تجلّت أمامنا على الخشبة، لتكون عناصرها الفنية والبصرية قوة دافعة للممثل وارتحالاته بين طبقات ألمه وخذلانه الشخصي والوطني، كل ما على الخشبة يؤسس للخوف والعزلة والضياع، ويشي ربما بفقدان الأمل، يتلفت الممثل المدرس في كل مكان ليستدعي رحلة السوء والألم الطويلة التي تتشابك مع كل شيء، الماضي البعيد والقريب.

لعل مشكلة نص جمال آدم، رغم جمالياته وعناصره المثيرة الملهمة، أنه حاول أن يروي حكاية طويلة وبتفاصيل كثيرة، أراد أن يقول لنا كل شيء، أو كأنه كان خائفاً من أن ينسى تفصيلاً في متاهة من التفاصيل الموجعة، العنف، والموت، واللجوء، والخوف، والفقر، والمهانة، وفقدان الأمل، والخيبة، وغيرها الكثير، هذه الغزارة في المعطيات والتواريخ جعلتنا ننتقل من حالة إلى أخرى، ومن موقف مخبوء في الذاكرة إلى آخر، وكأننا نركض في حقل من الأشواك، كنا نرتحل في متاهة من المكاشفات، ومن ألم إلى آخر، من دون أن يكون للمتلقي مساحته الخاصة من التفكير، أو مراجعة مواقفه وقناعاته ربما، وبدت الجهود الواضحة في العمل، حتى لا يغرق في الخطاب السياسي الإخباري، لمصلحة الوجع الإنساني، أو يغرق في السوداوية التي كانت تنكسر بين الحين والآخر بلمسة من الكوميديا السوداء.

سيرة العمل السوداوية لم تشوش على الفرجة التي حاول مخرجها أن يعتمد فيها على البساطة، والرمزيات الكافية لاحتضان ودعم ارتحالات الممثل من حكاية إلى أخرى.

«وصية مريم» تجربة غنية في المونودراما، قوامها حكاية وطن، وحاملها ممثل متمكن، أمسك بالخيوط، وتماهى مع أصغر التفاصيل، ليخلق منها شكلاً وبناءً وحكاية وفرجة مؤثرة ودامغة.

خيبة حلم

من الجزائر جاء عرض «اليوم الأخير»، عن نص للكاتب قاسم مطرود، إخراج نور الدين كحيل، وأداء شهيناز دريال، ليوري حكاية إنسانية اجتماعية عن شابة رسّامة، ترى في وطنها عائقاً أمام أحلامها، فتقرر الهروب بأحلامها إلى بلد آخر، لتكتشف لاحقاً أن الأثمان التي عليها دفعها أكبر بكثير من أحلامها، إلى أن ترتمي في طوق نجاة رجل أعمال وعدها بالنجاح والزواج.

حاول هذا العرض أن يقدم فرجة مسرحية بأبعاد درامية إنسانية، لكن ربما مشكلته كانت في نصه التقليدي، الذي يتماهى مع شأن نسوي تم تناوله مراراً وتكراراً، ولو كان يحمل دلالات إنسانية يمكن تعميمها، وعلى الرغم من الجهود الذي بذلتها الممثلة على الخشبة، لنقل وتجسيد رحلة هذا الشابة وآلامها وخيبات أملها في واقع استغلالي، إلا أننا بقينا في ظل دائرة محددة، معروفة النتائج والنهايات مسبقاً.

حاول العرض من خلال سينوغرافيا مدروسة دعم اللعبة الفنية ومدلولاتها، لكننا افتقدنا الاشتغال الحقيقي على النص، ونقله من خطابه الحكائي السردي لمصلحة الفرجة التي تبحث في جوهر الحالة الإنسانية، وليس تتبع مسار الحكاية.

قدم هذا العرض ممثلة موهوبة، وشكلاً بصرياً موفقاً، لكن ربما كانت تعرية النص للشخصية وعوالمها العميقة، بعيداً عن شكل الحكاية، حاجة ضرورية مفتقدة في هذا العرض لخلق المزيد من التأثير.

. «وصية مريم» فرجة أشرق فيها حضور الممثل الذي تتعقبه العين في كل خطوة ونفَس.

. حاول العرض الجزائري أن يقدم فرجة مسرحية بأبعاد درامية إنسانية، لكن مشكلته كانت في نصه التقليدي بشأن نسوي تم تناوله مراراً وتكراراً.

Google Newsstand

تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news

Share


تويتر


عن ثراء زعموم

Check Also

الإنسان بآلام «الضحية الجلاد» في ختام عروض «الفجيرة للمونودراما»

بليلة مزدحمة فنياً، اختتم مهرجان الفجيرة الدولي للمونودراما دورته الحادية عشرة، حيث شهدت ليلته السابعة …

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *