في خضم النقاش السياسي الدائر بين الأغلبية الحكومية والمعارضة حول قضايا حارقة، آخرها دعم استيراد الأغنام، ومسارات مشاريع قوانين وخطط إصلاح تمس قطاعات ذات أولوية كالتعليم والصحة والتشغيل، يلاحظ المتتبع للشأن السياسي الوطني غيابًا لافتًا لصوت الشبيبات الحزبية، التي يُفترض أن تكون الواجهة الدينامية للأحزاب وخزانها البشري الحيوي.
ورغم التحديات الكبرى التي تعرفها البلاد، والرهانات المرتبطة بالإصلاحات الهيكلية، فإن الشبيبات الحزبية، بمختلف توجهاتها، تبدو عاجزة عن خلق التأثير أو فرض نفسها كمحاور فاعل داخل النقاش العمومي. وهو ما يبرر تارة بانشغال بصراعات داخلية ومواقع تنظيمية، أو تحول إلى امتداد باهت لخطابات القيادات، دون جرأة أو اجتهاد يُراعي تطلعات الشباب المغربي اليوم.
ويأتي هذا التراجع في وقت حساس، إذ لم يتبق سوى عام وبضعة أشهر على موعد الاستحقاقات الانتخابية المقبلة، وهي فترة حاسمة يفترض أن تشهد بروز وجوه جديدة، ونقاشات سياسية غنية تقودها الشبيبات لتجديد النخب ومقاربة القضايا التي تهم فئة واسعة من المواطنين.
ويطرح هذا الحضور الباهت للشبيبات الحزبية تساؤلات عميقة حول جدوى وجودها بالشكل الحالي، وحول قدرتها على مواكبة التحولات المجتمعية والرقمية، والانفتاح على قضايا الجيل الجديد. ويُبرز الحاجة الملحة لإعادة التفكير في أدوارها، ليس فقط كفضاءات لتأطير الشباب، بل كمختبرات حقيقية لصناعة السياسات العمومية المستقبلية بروح جديدة وجرأة سياسية مفقودة.
عبد العالي سرحان، الباحث في العلوم السياسية، اعتبر أن معظم الشبيبات الحزبية تعاني من تبعيتها المطلقة للقيادات المركزية، ما يُفقدها القدرة على التعبير عن مواقفها الخاصة أو التفاعل بحرية مع قضايا الشباب، لافتا إلى أن هذه الهيمنة تُحوّل الشبيبة إلى أداة للتعبئة الموسمية بدل أن تكون فضاءً لتفريخ الكفاءات والنخب الشابة القادرة على التأثير في القرار الحزبي وصناعة السياسات العمومية.
كما سجل سرحان في تصريح لجريدة “مدار21” الإلكترونية، غياب الديمقراطية الداخلية وانغلاق الهياكل، معتبرا أن الأحزاب تُعاني من أزمة في تجديد النخب بسبب غياب آليات ديمقراطية حقيقية تُمكن الشباب من التدرّج داخل هياكلها، “فالعديد من الشبيبات تُسيَّر بمنطق الولاءات لا الكفاءات، ما يدفع بالكثير من الطاقات الشابة إلى العزوف عن العمل السياسي المنظم، أو البحث عن بدائل خارج الإطار الحزبي التقليدي”، بحسب تعبيره.
كما يرى أن الحضور الباهت للشببيات، من بين أسبابه الرئيسية ضعف التكوين السياسي والبعد عن قضايا الشباب الفعلية، مبرزا أن عددا من الشبيبات تفقتر في الغالب إلى برامج تكوين سياسي حقيقي يزود أعضاءها بآليات التحليل والمشاركة الفعالة في النقاش العمومي، مشيرا إلى أن خطابها غالبا ما يكون بعيدا عن أولويات الشباب كالتشغيل، التعليم، والحريات، وهو ما يُفقدها جاذبيتها ويجعل حضورها باهتًا في الفضاء العمومي ووسائل الإعلام.