انتقد رئيس الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، محمد بنعليلو، شرعنة الإدارة لممارسات خارج القانون تحت غطاء “المصلحة الإدارية” التي أصبح يتم تبنيها بشكل رسمي بلغة “معك الحق ولكن …”، مبرزاً أن ارتفاع منازعات الدولة يشكل تجلياً واضحاً لتركيز الإدارة على الدفاع عن قراراتها بدل تحسين أدائها والتركيز على مشروعية قراراتها.
وسجل بنعليلو، صباح اليوم الثلاثاء بالرباط، في كلمة بمناسبة المناظرة الوطنية الأولى حول تدبير منازعات الدولة والوقاية منها، أنه “نقف في كثير من الأحيان على ممارسات إدارية آخذة في الانتشار تجعل من (المصلحة الإدارية) أحد المبررات الجاهزة للعديد من القرارات، حينما تمنح الإدارة لنفسها صلاحية تقدير هذه (المصلحة) خارج القانون، بل أصبح الأمر علنيا ويتم تبنيه بشكل رسمي بلغة “معك الحق ولكن…”.
واعتبر المعين حديثاً على رأس “هيئة محاربة الرشوة” أن منازعات الدولة في أصلها تعبير عن قصور في عقلانية العلاقة المفترضة بين أطراف الارتفاق العمومي، بسبب ضعف الوعي الارتفاقي في أبعاده التبادلية المحكومة بثنائية الحق والواجب.
وتابع بنعليلو أن “تدبير هذه المنازعات لن يخرج في جوهره عن كونه عملية إعادة صياغة محددات هذه العلاقة فتصبح تسوية النزاع، سواء كانت طوعية أو مفروضة، هي جوهر هذه العلاقة في شكلها الجديد، ويصبح التعويض، سواء كان متفقًا عليه أو مفروضًا بقوة الحكم، هو الثمن المدفوع عن الضرر الناتج عن عدم الانضباط للقواعد والمبادئ الناظمة لهذه العلاقة”.
وفي قراءته لارتفاع منازعات الدولة (سواء بين المواطن والإدارة أو بين الإدارات نفسها)، سجل المتحدث ذاته أنه يُشكل تجلياً واضحاً لتركيز الإدارة على الدفاع عن قراراتها بدل تحسين أدائها والتركيز على مشروعية قراراتها، مؤكداً أن هذا ما يجعلها سببا مباشرا لآثار سلبية تنطلق في أبسط صورها من ضعف جودة الخدمات العامة لتصل إلى فقدان الثقة في الإدارة وتراجع مصداقية المؤسسات العامة (ولو في الإدراك العام للمواطن)، مرورا طبعا بمجموعة من الآثار الاقتصادية والتدبيرية التي تؤثر على قطاعات أخرى من قبيل الاختناق القضائي الناتج عن تزايد القضايا الإدارية.
وفي هذا الصدد، أوضح بنعليلو أن التقديرات والاجتهادات الشخصية خارج الإطار القانوني لا يمكن أن تعتبر إلا تجاوزاً للسلطة وخرقا لمبدأ الشرعية ومساساً بمبدأ الحياد الارتفاقي، بل وإضعافاً لثقافة المسؤولية والمحاسبة داخل الإدارة.
وشدد المصدر ذاته على أن السماح بهذا النوع من السلوك في مستويات معينة يُضعف الرقابة الداخلية ويشجع على انتشار الارتجال الإداري، وبالتالي يشكل مساساً بالمصلحة العامة نفسها التي يفترض أن يؤطرها القانون لا تقديرات أشخاص تكبد الدولة خسائر مالية وتضعف الثقة في أدائها.
وانتقد المسؤول ذاته ممارسة الوظيفة الإدارية “بمنطق السلطة” بدلًا من ممارستها “بمنطق الحق”، مؤكداً أنه في الوقت الذي يفترض فيه أن تمارس الوظيفة الإدارية بمنطق الحق، ووفقًا للقانون ومبادئ العدالة والإنصاف، نجد بعض الإدارات تميل إلى ترجيح منطق السلطة، في اتخاذ القرارات وتنفيذها، دون مراعاة للضمانات القانونية.
وأورد بنعليلو أن “التدبير الشفاف” يُعَدُّ مكونًا آخر في مناقشة موضوع منازعات الدولة، باعتبار الشفافية ضابط توازن العلاقة بين الإدارة والمواطن، لما لها من آثار على نزاهة الحياة العامة، والثقة في الإدارة، واستقرار العلاقات الإدارية، وكفاءة الأداء المؤسساتي، مبرزاً أن شفافية الارتفاق العمومي، تعتبر مدخلا أساسيا لتقليل المنازعات عبر تفادي اللبس والغموض اللذين يؤديان إلى الطعون والشكايات، وبالتالي المساهمة في تقبل القرارات الإدارية والحدّ من التأويلات الخاطئة والطعون غير الضرورية.