بطل «فتى الجبل» إماراتي يتحدى التوحّد.. ويحلم بـ«العالمية»   

من جبال الفجيرة وطبيعتها الخلابة، وصولاً إلى العاصمة أبوظبي، رحلة إبداعية نجح في نسج خيوطها الطفل الإماراتي، ناصر المصعبي، الذي ينتمي إلى فئة أصحاب الهمم من ذوي التوحّد، ليثبت للجميع قدرته على تكريس حضوره الآسر وموهبته، ويستحق الإشادة والتقدير عن تجربته الناجحة في فيلم «فتى الجبل» الذي تصدى لبطولته، وعُرض في العديد من المحافل السينمائية، من دون أن يغفل ولو للحظات عن الدعم اللامحدود من والديه، اللذين حرصا على ملازمته في مشوار تصوير العمل على مدار 35 يوماً، متحملين عبء ساعات التصوير الطويلة التي وصلت إلى 12 ساعة يومياً.

وعلى الرغم من أن رحلة ناصر لم تكن سهلة أثناء فترة تصوير الفيلم الإماراتي في جبال الفجيرة، إلا أن بطله نجح في التغلب على مخاوفه، وتجاوز مصاعب المرض الذي اكتشفته والدته في مرحلة مبكرة من عمره، فسارعت إلى رعايته والإشراف على رحلة علاجه الطويلة.

ويُعرَض «فتى الجبل»، وهو من إخراج زينب شاهين، في دور السينما الإماراتية وبدول مجلس التعاون الخليجي الخميس المقبل، تزامناً مع شهر التوعية بالتوحد، الذي يوافق شهر أبريل.

ذكريات جميلة

وأعرب بطل «فتى الجبل» عن سعادته بعرض الفيلم في صالات العرض المحلية والخليجية، بعد نحو عامين من تصويره، ما أعاد إليه ذكريات وتفاصيل عمليات اختيار الممثلين والكادر الفني ومراحل تصوير الفيلم.

وأضاف (ناصر) لـ«الإمارات اليوم»: «أحببت كثيراً خوض هذه التجربة الجديدة كلياً بالنسبة لي، التي أستعيد بعض تفاصيلها اليوم مع قرب عرض الفيلم السينمائي الذي سيتعرف من خلاله الجمهور إلى حكاية (سهيل)، الطفل الإماراتي المتعايش مع مرض التوحّد، ويخوض رحلة شيقة ومغامرات متنوعة مع صديقه الكلب السلوقي (براكة)، للعثور على عائلة والدته في أبوظبي، بحثاً عن الاندماج والدفء العائلي»، متمنياً أن ينال الفيلم الإماراتي إعجاب الجمهور، خصوصاً شخصية (سهيل) التي يتناول من خلالها الفيلم المصاعب التي يتعرض لها أطفال التوحد.

وحول أكبر المصاعب التي واجهها أثناء تصوير الفيلم، توقف الطفل الموهوب عند مشهد تصوير القارب الذي اضطره إلى الجلوس في مكان ضيق تتحرك فيه الأمواج باستمرار: «رغم أنني أعاني حساسية الشم، إلا أنني تجاوزت مشكلة تصوير هذه المشهد مع الكلب (براكة) صديقي في رحلتي الجميلة خلال الفيلم».

رسالة

وأكد ناصر المصعبي رغبته في المشاركة مستقبلاً بأفلام سينمائية، تحمل رسالة اجتماعية هادفة، ليمثل أدواراً جديدة ومختلفة عن (سهيل).

وقال: «أتمنى أن تتاح لي الفرصة للمشاركة في أفلام عالمية، وأن أصبح ممثلاً مشهوراً»، مختتماً بتوجيه رسالة إلى والديه: «شكراً لأبي وأمي على حضورهما كل يوم معي أثناء التصوير، لقد قضينا أوقاتاً ممتعة معاً».

مخاوف البداية

جهود كبيرة قام بها والدا الطفل (ناصر)، بداية من مرافقة والدته هند المصعبي له وهي حامل، من أجل تجارب الأداء لاختيار الممثلين في الفيلم، وقيام منتجته بجولة مطولة على المدارس في أبوظبي، بحثاً عن الفتى المناسب لدور البطل.

وأوضحت: «توقعت أن تكون مساحة الدور الذي سيقدمه (ناصر) صغيرة، وفي فيلم سينمائي قصير، لكن دهشتي كانت كبيرة عندما علمت أنه فيلم روائي طويل، يتطلب مشاركة واسعة ووقتاً وجهداً مضاعفين، ما دفعني للتفكير ملياً في الرفض، بسبب الحالة الصحية لطفلي، لكن منتجة العمل بعد أدائه للمشهد المطلوب برفقة شقيقته (ريم) التي اصطحبتها معنا في تجارب الأداء، بددت كل مخاوفي، خصوصاً بعد إصرارها على (بروفايل ناصر)، وتذليلها لكل العقبات التي اعترضت طريقنا، إذ اضطر والده للحصول على إجازة نحو شهرين للتفرغ لمرافقته في التصوير، في الوقت الذي تزامنت أول أيام التصوير مع وضعي لطفلي الجديد، ومبادرتي بعد أربعة أيام فقط من الولادة بمرافقة (ناصر) إلى الفجيرة».

رعاية خاصة

وأضافت الوالدة (هند) عن كواليس مشاركة الابن في الفيلم السينمائي: «تناوبت مع والد (ناصر) على الاهتمام به طوال أيام التصوير التي بلغت ما يقارب 35 يوماً، في الوقت الذي حرصت جهة الإنتاج من جهتها على استحضار أخصائي نفسي لمتابعة ناصر أثناء فترات التصوير التي تبدأ من السابعة صباحاً لتمتد إلى حدود السابعة مساء يومياً، وأتذكر أنه كان يتم إيقاف التصوير أحياناً، بناءً على حالة ناصر وظروفه الصحية والنفسية الخاصة».

وتابعت الأم: «كانت فترة صعبة على الجميع، فقد كنا نفقد أكثر من مرة أثر (ناصر) بعد تصوير بعض المشاهد بين جبال الفجيرة، فيما عانينا حساسيته العالية من بيئة المكان الجديدة والروائح والأصوات العالية، لكن (ناصر)، والحمد لله، استطاع مواجهتها والتغلب عليها مع مرور الوقت».

مفاجأة سارة

من ناحيته، قال والد بطل الفيلم، صالح حسين، لـ«الإمارات اليوم»: «فوجئنا باختيار ناصر بعد تجارب الأداء، ولم نكن نحلم بأن ناصر سيستطيع إنجاز المطلوب منه»، مشيراً إلى صعوبات البدايات، لاسيما ما يتعلق بحفظ النصوص، وتحديات أماكن التصوير من الجبل إلى البحر والتأقلم معها.

وأضاف أن الابن الواعد أدى الدور كما ينبغي، لاسيما في مشهد القارب، معرباً عن فخره بما أنجزه ولده، خصوصاً في اللقطات التي لم تكن تتحمل الخطأ، وأداها ناصر على أكمل وجه من أول محاولة.

ولفت الأب إلى أن تلك التجربة أسهمت في تطوير شخصية ناصر، وإكسابه الكثير من المهارات التي لم يتعلمها في حياته اليومية، ولا في المدرسة.

الكشف المبكر

حول الجهود التي بذلتها (أم ناصر) لإنجاح تجربة ابنها في الفيلم المستوحى من كتاب «الفتى الذي عرف الجبال»، للمؤلفة ميشيل زيولكوفسكي، ومواكبتها لاحتياجاته، أكدت أنه «بالتعاون مع الجهة المنتجة للعمل، عمدت إلى تغيير معظم الحوارات الخاصة بشخصية (سهيل)، وإعادة كتابتها بنمط يتناسب مع مقدرة ناصر الذهنية ومفرداته اللغوية ومستوى الشخصية التفاعلي ومشاعرها العميقة، في الوقت الذي رحّبت فيه مخرجة العمل بكل الإضافات التي قدمها ناصر، سواء من ناحية اللغة أو طرق التعبير الخاصة عن المقصود منها بطريقة عفوية وصادقة، نالت القبول والمصداقية اللازمة لإقناع المشاهد».

وفي خضم اهتمامها برسائل الفيلم الذي يتناول موضوع التوحّد، توجهت والدة (ناصر) برسالة لأهالي هذه الفئة الخاصة، مشددة على أهمية تعرّف ذويهم إلى العلامات المبكرة للمرض، وعدم الانتظار لبدء العلاجات اللازمة، مشيرة إلى أنها أيقنت اكتشاف مرض (ناصر) بعد تجاوزه العام ونصف العام، فسارعت إلى بدء معالجته ورعايته منذ 2010، مواظبة مع والده على مدار ما يزيد على ستة أعوام، على جلسات العلاجات الفيزيائية والوظيفية والسلوكي وصولاً إلى المعرفية.

وأضافت: «عمدت من ناحيتي إلى الدراسة والتخصص في مجال التربية الخاصة، لأتولى العناية بفلذة كبدي، وغيره من أطفال هذه الفئة الخاصة من أصحاب الهمم».

قائمة جوائز طويلة

شارك فيلم «فتى الجبل»، للمخرجة الإماراتية زينب شاهين، في 38 مهرجاناً سينمائياً، حاصداً 22 جائزة، منها جائزتان دوليتان للطفل (ناصر) الذي نال جائزة أفضل ممثل شاب عن فئة الفيلم الروائي الطويل بمهرجان تشيلسي السينمائي في مدينة نيويورك، وأفضل ممثل شاب في فيلم روائي طويل بمهرجان «فايف كونتيننتس» السينمائي الدولي في فنزويلا.

كما نال الفيلم جائزة أفضل تصوير سينمائي في مهرجان تشيلسي السينمائي، وأفضل مخرج في مهرجان «تتش ستون» للأفلام المستقلة في الولايات المتحدة، إضافة إلى جائزة أفضل فيلم روائي طويل في مهرجان سياتل للأطفال، وأفضل فيلم روائي طويل بمهرجان «سان لويس أوبيسبو» السينمائي الدولي في أميركا، وصولاً إلى جائزة أفضل قصة روائية لفيلم روائي طويل بمهرجان «آيرون آي إف إف» السينمائي الدولي في أستراليا.

• 35 يوماً استغرقها تصوير الفيلم الذي يعرض، الخميس المقبل، بدور السينما المحلية والخليجية.

Google Newsstand

تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news

Share


تويتر


عن ثراء زعموم

Check Also

الصين تسلم المكونات الرئيسة لأكبر “شمس اصطناعية” في العالم

أكملت الصين وشحنت المجموعة النهائية من مكونات وحدة تغذية ناظم التبريد للفائف التصحيح إلى موقع …

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *