ما تزال محاولة نواب الغرفة الأولى للبرلمان من أجل محاصرة الاختلالات التي شابت تدبير الدعم المخصص لاستيراد المواشي واللحوم الحمراء تثير الكثير من الجدل، خاصة بعدما فاجأت فرق الأغلبية البرلمانية فرق المعارضة بتقديم طلب مهمة استطلاعية في الموضوع، ما اعتبرته مكونات المعارضة تشويشاً على مبادرتها لتشكيل لجنة لتقصي الحقائق.
وفيما كانت المعارضة تنتظر مساندة الفريق الاستقلالي بالنواب لمبادرتها من أجل إكمال النصاب القانوني لتشكيل لجنة تقصي الحقائق، بحكم خطاب قياداتها المتكرر والمنتقد لإجراءات الحكومة في استيراد اللحوم والأغنام، خرجت أحزاب الأغلبية متكتلة ومتوحدة في طلب تشكيل مهمة استطلاعية في معاكسةٍ لرغبة قوى المعارضة البرلمانية التي تحاول حشد الدعم حول مبادرتها.
وتتعدد الاختلافات بين الآليتين على الرغم من كونهما معاً أدوات رقابية في يد البرلمان من أجل مراقبة عمل الحكومة وتقييم سياساتها العمومية، ولكن المعارضة تتهم الأغلبية بمحاولة الإجهاز على مبادرتها بحكم أن خلاصات تقرير لجان تقصي الحقائق يمكن أن يحال، عند الاقتضاء، على القضاء، في حين تقول الأغلبية أن مسطرة تشكيل مهم استطلاعية أكثر ليونة وسلاسة من تشكيل لجنة لتقصي الحقائق ولا يتطلب وقتاً طويلاً.
وعلى هامش الجدل الذي تثيره مبادرات فرق الأغلبية والمعارضة في موضوع استطلاع تأثير وطبيعة ومآلات الدعم الموجه لاستيراد المواشي واللحوم الحمراء خلال الفترة الأخيرة، أوضح الناطق الرسمي باسم الحكومة، مصطفى بايتاس، أن اختيار الآلية الرقابية المناسبة من اختصاص البرلمان ولا دخل للحكومة في ذلك.
وأضاف بايتاس، عشية اليوم الخميس في الندوة الصحفية التي تلت انعقاد المجلس الحكومي، أن “المشرع الدستوري خص البرلمان بمجلسيه، بآليات رقابية مهمة ومختلفة”، مسجلا أن “التقدير السياسي لآلية رقابية دون أخرى يبقى من الاختصاصات الحصرية للبرلمان في إطار التزامات نواب الأمة داخل الأغلبية أو المعارضة”.
وأضاف المسؤول الحكومي أنه “لا يمكن أن أرجح اختياراً دون الآخر”، مبرزا أن “هذه صلاحية المؤسسة التشريعية لاختيار الآلية التي تظهر أنها فعالة في الموضوع”.
وتابع المتحدث ذاته أن “الحكومة في إطار العلاقات التي تجمعها بالبرلمان، بمجلسيه، فإنها تسهر على جعلها علاقة منضبطة لقرارات المحكمة الدستورية في إطار التوازن والتعاون”.
إدريس السنتيسي، رئيس الفريق الحركي بمجلس النواب، قال إن “مبادرة فرق الأغلبية بمجلس النواب من أجل طلب مهمة استطلاعية في موضوع استيراد المواشي واللحوم الحمراء هو اعتراف ضمني بالحقيقة التي تخيفهم وبوجود اختلالات في هذه العملية”، مورداً أن “هناك رغبة واضحة في تحويل رقابة البرلمان على هذا الموضوع إلى مهمة استطلاعية لتجنب إحالة مخرجاتها على القضاء، كما ينص على ذلك القانون التنظيمي للجان تقصي الحقائق”.
ووصف السنتيسي، في تصريح لجريدة “مدار21” الإلكترونية، خطوة فرق الأغلبية البرلمانية على أنها “حكاية جديدة تحت اسم المهمة الاستطلاعية”، مشيراً إلى أن “المهمة الاستطلاعية تصل إلى معلومات ومعطيات متوفرة أصلا في بلاغ وزارة الفلاحة في حين أن المطلوب هو البحث في حيثيات توزيع هذا الدعم والمستفيدين الحقيقيين منه”.
وتابع المتحدث ذاته أن “ما ستقوم به المهمة الاستطلاعية وما ستبحث عنه هو منشور وأُنجِز نسبيا عند القيام بالإحصاء الوطني للماشية وخروج وزارة الفلاحة ببلاغ يعطي معطيات دقيقة حول كلفة الدعم وعدد المستفيدين منه”، مشددا على أن “من تضاربت أقوالهم من قيادات في أحزاب الأغلبية هم من يحاولون اليوم قطع الطريق على مبادرة أحزاب المعارضة”.
واستبعد النائب البرلماني ذاته أن تؤدي هذه الخطوة إلى إفشال محاولة مكونات المعارضة البرلمانية التي تحاول أن تمارس أدوارها الرقابية كما نص عليها الدستور، مشددا على أن “هذا يفوق التشويش على أداء المعارضة لأدوارها إلى استثمار التغول العددي للأغلبية من أجل إعدام كل محاولة تقوم بها نواب المعارضة في مراقبة عمل الحكومة”.
وتأسف رئيس الفريق الحركي مما يجري داخل البرلمان من تسييس مبالغ فيه لموضوع يهم الرأي العام بحكم أن تكوين لجنة تقصي الحقائق أصبح غير ممكناً بميزان النصاب القانوني المطلوب لتشكيلها، لافتاً إلى أن مثل الممارسات تذكرنا بتجربة سابق في التعامل مع ناهبي المال العام والمعروفة بـ”عفى الله عما سلف”.
واتهم البرلماني ذاته الحكومة بتسريب معطيات حول استيراد الأغنام لبعض المستثمرين حتى قبل خروج تفاصيل هذه الإجراءات الحكومية إلى العموم، مضيفا أن بعض المستوردين اشتروا أعداداً كبيرة من رؤوس الأغنام قبل إعلان الحكومة عن هذه الحزمة من الإجراءات التسهيلية لضمان حصولهم عليها في الأسواق الدولية بحكم علمهم بإجراءات الحكومة قبل نشرها بشكل رسمي.
وتحفظ السنتيسي عن التعليق على سؤال “مدار21” الإلكترونية حول “الانفصام” الذي بدا ظاهرا في سلوك حزب الاستقلال بين خطاب قائده، نزار بركة، الذي انتقد بشدة إجراءات الاستيراد، وبين قرار برلمانييه الذين لم ينضموا إلى مبادرة مكونات المعارضة بدعم تشكيل لجنة لتقصي الحقائق في موضوع استيراد الأغنام وسلك مسلك فرق فريقي الأغلبية بطلب مهمة استطلاعية فقط.
وسجل رئيس فريق “السنبلة” على أن “هذا السلوك ينم عن جبن سياسي وعدم تحمل أحزاب الأغلبية لمسؤولية تديبرها للشأن العام والتصرف في الأموال العمومية للمغاربة”، مؤكدا أن مثل هذه الممارسات هي التي تنفر المواطنين وتضرب في العمق مصداقية وشفافية العمل السياسي.
وأشار المصدر ذاته إلى أنه “كان من المفترض من رئيس الحكومة أن يخرج في جلسة عامة بمجلسي البرلمان للإفصاح عن الأرقام والمعطيات الدقيقة والحقيقية المتعلقة بموضوع الاستيراد”، مشددا على أن “وزير الميزانية، فوزي لقجع، الذي هو عضو في نفس الحكومة، أقر بوجود اختلالات في هذه العملية وعدم تحقيقها للأهداف المرجوة منها”.
وسجل المتحدث ذاته أن “هذه ليست المرة الأولى التي تتغول فيها الأغلبية على المعارضة في ما يتعلق بممارسة الأدوار الرقابية وطلب مراقبة عمل الحكومة”، مبرزاً أنه “سبق أن تمت عرقلة طلب لجنة لتقصي الحقائق في موضوع الدعم الذي تم في قطاع السياحة ودعم مهنيي قطاع النقل أيضا ولوائح المستفيدين منها”.
وخاطب المصدر ذاته قيادات الأغلبية البرلمانية بأنه “من لا يتوفر على معطيات يريد أن يُخْفيَها فإن الطبيعي هو أن ينخرط في مثل هذه المبادرات أو يُبادر إلى تشكيلها وننخرط معه كقوى برلمانية في صف المعارضة”، مُؤكدا أن “أي خطوة غير ذلك فهي محاولة للابتعاد عن الحقيقة”.