تونس- أفاق التونسيون، اليوم الجمعة، على قرار مفاجئ من الرئيس قيس سعيد، بإقالة رئيس الحكومة كمال المدوري، وتعيين سارة الزعفراني الزنزري، وهي ثاني امرأة تتولى هذا المنصب منذ إعلان التدابير الاستثنائية في 25 يوليو/تموز 2021.
وكانت الزعفراني وزيرة للتجهيز والإسكان منذ العام 2021 حتى تعيينها رئيسا للحكومة، وهي مهندسة حاصلة على درجة الماجستير في الجيوتقنية.
وتأتي الخطوة وسط انتقادات حادة من المعارضة التي ترى فيها مؤشرا على “تخبط الرئيس سعيد في إدارة البلاد، ومحاولته التنصل من مسؤولية الفشل، عبر التضحية بمسؤولين يتحولون إلى أكباش فداء لأزمة سياسية واقتصادية خانقة”.

تخبط وفشل
وقال هشام العجبوني، القيادي في حزب التيار الديمقراطي، إن ما يجري يعكس تخبطا سياسيا ومحاولة للتنصل من الفشل عبر تحميل المسؤولية للآخرين.
وقلل العجبوني -في حديثه للجزيرة نت- من أهمية الحدث، موضحا أن رئيس الحكومة منزوع من الصلاحيات في “دستور سعيد” الذي “حرص بخطاباته على تذكير رؤساء الحكومات أنهم مجرد مساعدين له، مما يجعلهم بلا تأثير فعلي في صنع القرار”.
ولفت إلى أن خطاب الرئيس -أمس، في اجتماع مجلس الأمن القومي- تضمن اتهاما مبطنا لرئيس الحكومة المقال “بتجاوز صلاحياته” مبينا أن إقالته بوقت وجيز منذ تعيينه تعد “إقرارا ضمنيا بفشل خيارات سعيد”.
وجدد الرئيس اتهامه للمعارضة بالتآمر على أمن الدولة، وقال إن هناك “عصابات إجرامية” تعمل في عديد المرافق العمومية عن طريق وكلاء لها، وأضاف “آن الأوان للعبور ولتحميل أي مسؤول المسؤولية كاملة مهما كان موقعه ومهما كانت طبيعة التواطؤ أو التقصير”.
ورأى العجبوني أن تغيير رؤساء الحكومات بوتيرة متسارعة ومتكررة بفترة حكم سعيد -الذي صعد أول مرة للرئاسة بانتخابات أكتوبر/تشرين الأول 2019- يعد “مؤشرا على عدم الاستقرار الحكومي وفشلا في إدارة شؤون البلاد”.
“نظرية المؤامرة”
وكان سعيد قد أقال، بعد إعلانه التدابير الاستثنائية في 25 يوليو/تموز 2021 التي استحوذ بها على صلاحيات مطلقة وفق الدستور الذي صاغه، 3 رؤساء حكومات هم: نجلاء بودن وأحمد الحشاني وكمال المدوري الذي عينه قبل أقل من عام.
وفي 6 فبراير/شباط الماضي، أقال سعيد -منتصف الليل وفي خطوة مفاجئة- وزيرة المالية سهام البوغديري نمصية أحد أبرز الوزراء الذين ساندوه في مساره وسط أزمة مالية وتعطل للمفاوضات مع صندوق النقد الدولي.
ويأتي تكرر إقالة رؤساء الحكومات في ظل أزمة سياسية، حيث بدأت محاكمة عشرات المعارضين بتهم يعتبرونها “ملفقة” للنيل منهم، ووسط أزمة اقتصادية ومالية خانقة وتدهور الأوضاع المعيشية بسبب غلاء الأسعار وتفشي معدلات البطالة والفقر.
ويقول العجبوني إنه وأمام تدهور جميع المؤشرات، يُعلق الرئيس “فشله” في إدارة البلاد على المعارضين والمسؤولين الذين عينهم بنفسه ثم أقالهم، مع أنه يتمتع بصلاحيات مطلقة ويتحمل مسؤولية رسم السياسات العمومية مما يتناقض مع مبدأ المحاسبة.
واستنكر اعتماد الرئيس على “نظرية المؤامرة” لتسفير الإخفاقات على جميع الأصعدة، بينما يظل هو فوق أي نقد ومساءلة.
ويعتقد العجبوني أن مصير الزعفراني لن يختلف عن سابقيها، وأنها ستكون بدورها “كبش فداء” يُحمَّل مسؤولية الإخفاقات المستقبلية في ظل غياب أي رؤى واضحة للنهوض بالبلاد.
وتعيش تونس على وقع أزمة مركبة بعد الثورة، وتفاقمت بعد 25 يوليو/تموز 2021، بعدما حل الرئيس البرلمان وألغى دستور 2014، وغيّر نظام الحكم من برلماني لرئاسي بصلاحيات مطلقة، وشن حملة اعتقالات ومحاكمات ضد المعارضة.
وتتهمه المعارضة بتوظيف أجهزة الدولة الأمنية والقضائية لملاحقة خصومه السياسيين والصحفيين والمدونين ونشطاء المجتمع المدني، مما زاد من التوتر وانسداد الأفق السياسي وعمق الغموض حول مستقبل تونس السياسي.

حالة عبث
من جهته، يقول عبد الوهاب معطر، المحامي والناشط السياسي المعارض، إن البلاد تجاوزت مرحلة التخبط وعدم الاستقرار الحكومي، وباتت تعيش حالة من العبث السريالي.
ويضيف معطر للجزيرة نت أن خطاب الرئيس أمس، في مجلس الأمن القومي، جعل الوضع يبدو كما لو أن تونس أصبحت مسرحا لمشهد سريالي بعيدا عن الواقع الذي يعيشه الشعب التونسي.
ووفقا للناشط، فإن سعيد يوجه التهم للجميع باستمرار، بينما يعتبر نفسه “الطاهر النقي” بهذا العالم، متجنبا أي نقد أو محاسبة. ويتابع “بصراحة، لم يعد هناك أي تعليق على أداء الرئيس، نحن في مرحلة التيه، والوضع كارثي للغاية، والبلاد تذهب في منحدر كامل بسبب تخبطه في سياساته وخياراته التي لا علاقة لها بالواقع”.
وتوقع معطر أن تكون الزعفراني “الضحية القادمة لفشل الرئيس وأنه سيحمّلها جميع إخفاقاته كما حدث مع سابقيها بالمنصب” ويضيف “نحن أمام أزمة مركبة على جميع الأصعدة، وسعيد كل مرة يمسح يديه في كبش فداء، نحن ذاهبون في حالة انحدار وما يقع يوميا يُسرع ذلك”.
وذهب إلى أن غياب الحكمة في قيادة الدولة وتجاهل التوازنات -بين مختلف مكونات المجتمع- جعل السياسات الحالية تفاقم الأزمات بدلا من حلها، مبينا أن شعبية الرئيس تراجعت بسبب تزايد الأزمات لا سيما قضية المهاجرين.
وأوضح “تراجعت شعبية سعيد بشكل ملحوظ منذ 25 يوليو/تموز 2021، خاصة في ظل تفاقم أزمة المهاجرين، وبدأ العديد من أنصاره يرتدون عليه بسبب سياساته الفاشلة، ومن له ذرة منطق لا يمكن أن يجاريه”.
بالمقابل، يرى أنصار سعيد أن إقالة رؤساء الحكومات والوزراء تأتي في إطار إضفاء مزيد من النجاعة على العمل الحكومي وتوجيهه نحو الأفضل، معتبرين أن هذه الخطوات كانت ضرورية لتحميل المسؤولية لكل مسؤول لخدمة الشعب.
وفي عديد المرات أعرب سعيد عن عدم رضاه عن عمل حكومته، داعيا إلى المزيد من إحكام تناسق العمل الحكومي وتذليل العقبات، كما دعا سابقا إلى “إنهاء مهام أي مسؤول ولو ساعات بعد تعيينه في حال لم يقم بدوره”.
وأكد سعيد -في خطابه أمس- أن إعلانه التدابير الاستثنائية عام 2021 جاء “بقرار نابع من شخصه لإنقاذ البلاد من تفشي فيروس كورونا وتفشي الإرهاب”.