ما مصير المقاتلين الأجانب في قسد بعد الاتفاق مع حكومة دمشق؟ | سياسة

في ظل التحولات السياسية والعسكرية التي تشهدها الساحة السورية منذ سقوط النظام السابق في 8 ديسمبر/كانون الثاني الماضي، يأتي اتفاق قوات سوريا الديمقراطية “قسد” مع حكومة دمشق كعلامة فارقة، من حيث تأثيره في تعزيز موقع السلطة السورية الجديدة من جهة، وقطع الطريق على محاولات التمرد والانفصال من جهة أخرى.

وعلى الرغم من أن الاتفاق أسهم إلى حد كبير في حل أغلب القضايا الخلافية بين الطرفين، كموضوع دمج قوات قسد تحت مظلة جيش الدولة، وحصول الأكراد على حق المواطنة والمشاركة في الحياة السياسية، فإنه لم يأت على ذكر قضية “المقاتلين الأجانب” في صفوف “قسد”، والتي تمثل نقطة إشكالية بين الطرفين، بسبب ارتباط هؤلاء بحزب العمال الكردستاني المصنف على قوائم الإرهاب التركية حليف دمشق الأقرب، إضافة إلى القوائم الأوروبية والأميركية.

وفي ظل المعطيات الجديدة، يصبح من الضروري تسليط الضوء على مستقبل هؤلاء المقاتلين الذين أشارت العديد من التصريحات لمسؤولين في قوات “قسد” إلى أنهم سيغادرون سوريا بعد التوصل إلى اتفاق دائم مع حكومة دمشق، فهل سيعودون إلى بلادهم أم ستكون لديهم وجهات وخيارات أخرى؟

الرئيس السوري أحمد الشرع (يمين) ومظلوم عبدي بعد توقيع اتفاق وقف إطلاق النار والاندماج في الدولة السورية (الفرنسية)

إشارات ودعوات

أشارت العديد من التقارير إلى أن بند إخراج المقاتلين الأجانب من سوريا يشكل نقطة أساسية في موضوع دمج قوات “قسد” في هيكلية الجيش السوري الجديد، وتعزيز وحدة الأراضي السورية.

ومع أن التصريحات المباشرة للرئيس السوري أحمد الشرع لم تذكر هذا الموضوع بشكل واضح، إلا أن قيادات قسد مثل مظلوم عبدي وغيره من القيادات أكدوا في تصريحاتهم أن انسحاب المقاتلين الأجانب كان من الشروط الأساسية لإتمام الاتفاق.

وجاء في محضر الاجتماع الثلاثي الذي جمع بين أذرع قسد السياسية والعسكرية والإدارية في 17 فبراير/شباط الماضي أنه تم الاتفاق على دمج المؤسسات العسكرية والأمنية مع مؤسسات الدولة وإخراج المقاتلين غير السوريين كجزء من عملية إعادة تنظيم القوات الوطنية، وذلك بحسب ما أفاد به القيادي في “قسد” عمر إدلبي على منصة إكس.

وفي هذا السياق، نقلت مواقع إلكترونية عن مصادر سورية مطلعة أن وحدات حماية الشعب، المنضوية في قوات قسد، طالبت أعضاء حزب العمال الكردستاني غير السوريين بمغادرة سوريا بأسرع وقت ممكن.

وجاء طلب مغادرة المقاتلين غير السوريين في صفوف حزب العمال الكردستاني بعد يوم واحد من الاتفاق الذي أبرم بين قسد والإدارة السورية الجديدة.

US troops train YPG/PKK in Syria
وحدات حماية الشعب طالبت أعضاء حزب العمال الكردستاني غير السوريين بمغادرة سوريا بأسرع وقت ممكن (الأناضول)

ضغوط تركية

أما بالنسبة لتركيا التي تعتبر قوات “قسد” بشكل عام تهديدًا لأمنها القومي، والتي دائمًا ما تلوح بعملية عسكرية ضدها، فقد أكدت في 13 مارس/آذار أنه يجب على “الإرهابيين إلقاء السلاح وإخراج المقاتلين الأجانب من سوريا”، وفق وكالة الصحافة الفرنسية.

وقال مصدر في وزارة الدفاع التركية “نحن في تركيا ما زلنا مصممين على مكافحة الإرهاب”، مضيفا “لا تغيير في توقعاتنا بشأن إنهاء الأنشطة الإرهابية في سوريا، وإلقاء الإرهابيين أسلحتهم، وإخراج الإرهابيين الأجانب”.

وتعليقًا على الموقف التركي، يقول الباحث المتخصص في شؤون الشرق السوري سامر الأحمد إنه على الرغم من ترحيبها بالاتفاق بين حكومة دمشق وقوات “قسد”، فإن تركيا “ما زالت قلقة من تطبيق بنوده، وتصرّ على إخراج المقاتلين الأجانب من سوريا، لأنها ترى فيهم تهديدا لأمنها القومي، بسبب انتماء غالبيتهم العظمى إلى حزب العمال الكردستاني”.

وبحسب حديث الأحمد للجزيرة نت، فإن هناك معلومات تشير إلى أن الدولة التركية سلّمت التحالف الدولي قائمة بأسماء ما يقارب ألف عنصر من هؤلاء المقاتلين لإخراجهم من المنطقة، وهي بالتوازي مع ذلك ما زالت مستمرة بملاحقتهم وتصفيتهم عن طريق المسيرات.

وكان وزير الخارجية التركي هاكان فيدان أوضح في تصريحات صحفية أن أنقرة تراقب من كثب اتفاقا بين الحكومة السورية وقوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة، معربًا عن قلقه بشأن التهديدات المستقبلية المحتملة لأمن تركيا.

أعداد المقاتلين وجنسياتهم

لا تتوفر إحصائيات دقيقة عن عدد المقاتلين الأجانب في صفوف قوات “قسد”، إذ تتفاوت التقديرات بشكل كبير، ففي الوقت الذي تشير فيه بعض المصادر إلى وجود ما يقارب 3 آلاف مقاتل، يؤكد قائد “قسد” في تصريحات صحفية أن عددهم لا يتجاوز المئات.

وكان عبدي قد اعترف لأول مرة بوجود مقاتلين أكراد غير سوريين -بمن في ذلك أعضاء حزب العمال الكردستاني- في صفوف قواته، مؤكدًا في تصريحات لوكالة رويترز في 19 ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي أن المقاتلين الأكراد الذين قدموا إلى سوريا من مختلف أنحاء الشرق الأوسط لدعم القوات الكردية السورية سيغادرون إذا تم التوصل إلى وقف لإطلاق النار في المواجهة مع تركيا بشمال سوريا.

من ناحيته، يوضح الباحث المهتم بالشأن الكردي في مركز رامار للبحوث بدر ملا رشيد أنه لا توجد معلومات دقيقة عن أعداد المقاتلين الأجانب في صفوف “قسد”، ولكن وفق المصادر والتقديرات فإن الأعداد تقارب 3 آلاف مقاتل، إذ جاء القسم الأكبر منهم مع بدء معركة عين العرب “كوباني” عام 2014 عند فتح الحدود بين تركيا وسوريا.

وعن جنسيات هؤلاء المقاتلين، يوضح الباحث ملا رشيد للجزيرة نت أن أغلبهم ينتمون إلى العرق الكردي المنتشر في البلدان المجاورة (تركيا، العراق، إيران)، إضافة إلى وجود متطوعين أجانب من المملكة المتحدة وفرنسا وإيطاليا واليونان وكندا وأستراليا والولايات المتحدة.

وقد شكّل هؤلاء ما عُرف باسم “الكتيبة الدولية”، إلى جانب انضمامهم إلى عدد من الكتائب اليسارية العاملة ضمن وحدات حماية الشعب الكردية التابعة لـ”قسد”.

وكانت دراسة سابقة لمركز الشرق للأبحاث الإستراتيجية في إسطنبول أوضحت أن أعداد المقاتلين الأجانب لا تتجاوز 800 مقاتل، لكن الرقم الحقيقي، بحسب المركز، قد يكون أكثر من ذلك بكثير، لعدم وجود بيانات تفصيلية عن المسلحين الأتراك والعراقيين الذين انضموا إلى الجماعة.

يشار إلى أن المعارك التي خاضتها القوات الكردية أثناء حصار تنظيم الدولة لمدينة عين العرب “كوباني” شمالي سوريا كان لها دور كبير في تحفيز أعداد كبيرة من المقاتلين الأكراد من دول الجوار، والمقاتلين اليساريين في عدد من دول العالم للمساهمة في الدفاع عن المدينة التي حظيت بتغطية إعلامية كبيرة، وتحولت إلى رمز للكفاح ضد الإرهاب.

المعارك أثناء حصار تنظيم الدولة لمدينة عين العرب كان لها دور كبير في تحفيز أعداد كبيرة من المقاتلين الأكراد للمساهمة في الدفاع عنها (الفرنسية)

عوائق العودة

وسط هذا الإصرار المحلي والإقليمي على إيجاد حل لقضية المقاتلين الأجانب في صفوف قوات “قسد”، سواء أكانوا أكرادا أم من الجنسيات الغربية، يبرز سؤال عن مدى إمكانية إعادتهم إلى بلادهم الأصلية، والعوائق الأمنية والقانونية التي قد تحول دون ذلك.

الباحث في مركز الشرق للأبحاث الإستراتيجية محمد أمين جنكيز يعتقد، في حديثه للجزيرة نت، أن معظم المقاتلين الأجانب، بمن فيهم أعضاء حزب العمال الكردستاني غير السوريين، سيجبرون على مغادرة سوريا إلى بلادهم الأصلية بعد اتفاق “قسد” مع حكومة دمشق.

ويضرب جنكيز مثالًا على ذلك بالمقاتلين الأكراد من أصول تركية الذين سيستفيدون من عملية السلام الجديدة في تركيا، ودعوة مؤسس الحزب أوجلان إلى ترك السلاح وحل الحزب، إضافة إلى الحديث عن عفو عام سوف تصدره الدولة التركية عن عناصر “العمال الكردستاني”.

وبحسب جنكيز، قد يتمكن أعضاء “العمال الكردستاني” ذوو الرتب المنخفضة، أي قيادات الصف الثاني والثالث من القدوم إلى تركيا بعد عفو عام محتمل، أما من هم في مواقع القيادة فمن المرجح أن تطلب تركيا نفيهم.

وفي 27 فبراير/شباط الماضي أصدر مؤسس حزب العمال الكردستاني في تركيا عبد الله أوجلان بيانًا تاريخيا من سجنه، دعا فيه إلى بدء مرحلة جديدة من السلام مع الدولة التركية، وأكد ضرورة إنهاء النزاع المسلح، مطالبا مقاتلي حزب العمال الكردستاني بإلقاء السلاح وحل الحزب.

وبشكل عام، يرى الباحث ملا رشيد أن كثيرين من المقاتلين الأجانب يفشلون في إعادة الاندماج داخل مجتمعاتهم بعد عودتهم إلى أرض الوطن، وبعضهم قد ينجح في ذلك.

ويضيف رشيد أن قرار بقائهم أو عودتهم يرتبط بنوعية الدور الذي أدوه خلال انخراطهم مع “قسد”، فالمقاتلون الذين شاركوا في العمليات القتالية على أرض المعركة وتولوا مهام قيادية مثل المتطوعين الأتراك لا يعودون إلى بلدهم، بل يختارون عادة التوجه إلى معسكرات حزب العمال الكردستاني الأخرى.

ويعود قرار البقاء، بحسب ملا رشيد، في الأساس إلى القوانين التي قد يتعرضون لها إبان عودتهم إلى وطنهم، وذلك نتيجة قتالهم مع منظمات تعدّ إرهابية في كثير من البلدان، إذ أصدرت بعض الدول تشريعات جديدة لمحاكمة مواطنيها بعد عودتهم من سوريا.

من تلك الدول بلجيكا والنمسا وأستراليا التي سنّت قوانين لتجريد مزدوجي الجنسية من جنسياتهم، في حين اعتمدت دول أخرى على قانون العقوبات لسجن العائدين بتهم المشاركة في منظمات إرهابية، كما يضيف ملا رشيد.

وتشير دراسة سابقة صادرة عن مركز الشرق للأبحاث الإستراتيجية إلى أنه لا توجـد ضمانـات بأن العائديـن مـن وحـدات حمايـة الشـعب لـن ينخرطـوا فـي هجمـات دمويـة في المسـتقبل، فالصفـة المميـزة هي قدرتهم علــى بناء الشبكات، ونقــل معارفهــم وأفكارهــم إلــى أنصارهم، وقد يصل الأمر بالبعض إلى تشـكيل شـبكة دعـم مـن أجـل تمويـل وتجنيـد المقاتليـن لحسـاب وحـدات حماية الشعب التابعة لـ “قسد”.

Members of Kurdish People Defence Units (YPG) flash victory sign after coming from Syrian town of al-Raqqa, in Tel Abyad, Syria, 23 June 2015. Kurdish fighters backed by US-led airstrikes captured a strategic town from Islamic State on 23 June as they pushed towards the extremist group's Syrian heartland. The Kurdish People's Protection Units (YPG) and allied rebels took complete control of the town of Ain Issa, bringing them within 50 kilometres of Islamic State's de facto Syrian capital of al-Raqqa, the Syrian Observatory for Human Rights said.
دراسة: لا توجـد ضمانـات بأن العائديـن مـن وحـدات حمايـة الشـعب لـن ينخرطـوا فـي هجمـات دمويـة في المسـتقبل (الأوروبية)

جبال قنديل الملاذ الأخير

أمام هذه العقبات القانونية والأمنية، يرى مراقبون أن جبال قنديل تشكل ملاذًا آمنًا للمقاتلين الأجانب في صفوف “قسد” وخاصة قيادات الصف الأول الذين ينحدرون غالبًا من أصول تركية وإيرانية، ويُسمى هؤلاء في مناطق سيطرة قوات “قسد” بـ”كوادر جبل قنديل”.

وتقع جبال قنديل على بعد 120 إلى 150 كم شمال مدينة أربيل، عاصمة إقليم كردستان العراق، وتمتد من الأطراف الجنوبية الشرقية من تركيا إلى الحدود مع إيران، وتشكل حصنًا طبيعيا منيعًا لمقاتلي “العمال الكردستاني”.

وتعليقاً على هذا الموضوع، يوضح الباحث جنكيز أنه من المرجح أن يتوجه بعض الأتراك المنتمين لقوات سوريا الديمقراطية، وهم من قيادات الصف الأول، إلى جانب العديد من المقاتلين الأوروبيين والأميركيين ممن يحملون العقيدة اليسارية، إلى جبال قنديل بعد عبورهم إلى إقليم كردستان العراق.

أما بالنسبة للأعضاء الإيرانيين في صفوف “قسد”، فهؤلاء قد لا يتمكنون من العودة إلى إيران لأسباب أمنية وقانونية؛ لذا سيتوجهون إلى جبال قنديل على الأرجح، ومن هناك قد يختار بعضهم البقاء مع حزب العمال الكردستاني، أو الانضمام إلى حزب الحياة الحرة، الفرع الإيراني للحزب، والمشاركة في العمل المسلح ضد إيران.

ويشير الباحث ملا رشيد إلى أن القيادات الكبيرة من هؤلاء المقاتلين الذين لا يستطيعون العودة إلى بلادهم، والذين لا تتجاوز أعدادهم العشرات من المحتمل أن يستقروا في إقليم كردستان العراق، لكن بشرط ألا ينخرطوا في أي أعمال تنظيمية أو عسكرية في المستقبل.

Kurdistan Workers Party (PKK) fighters stand guard at the Qandil mountains near the Iraq-Turkish border in Sulaimaniya, 330 km (205 miles) northeast of Baghdad March 24, 2013. Shattered stone houses recall Turkish air strikes on Kurdish rebels holed up in the Qandil mountains of northern Iraq. Life is harsh amid the snowcapped peaks, supplies are sparse and armed forays across into Turkey perilous in the extreme. Yet rebel chief Abdullah Ocalan, who declared a ceasefire
مقاتلو حزب العمال الكردستاني يقفون للحراسة في جبال قنديل بالقرب من الحدود العراقية التركية في السليمانية (رويترز)

معضلة حزب العمال الكردستاني

لا تكمن المشكلة في وجود المقاتلين الأجانب في صفوف “قسد” كحالات فردية وإنما في وجود حزب العمال الكردستاني في العمود الفقري للبنية الأمنية الموجودة في الجزيرة السورية، بحسب الباحث الأحمد.

لذا، يعتقد الأحمد أن إخراج الحزب وتفكيكه صعب جدا، وقد يلاقي الاتفاق الموقع بين قسد وحكومة دمشق كثيرًا من المطبات، بحيث يتطور الوضع -إذا لم يتم حل هذا الملف- إلى اقتتال داخلي ضمن صفوف قسد، لأن هؤلاء المقاتلين يرفضون الاتفاق والاندماج ضمن الجيش السوري الجديد.

وكان قائد “قسد”، مظلوم عبدي، زعم في تصريحات سابقة لوكالة رويترز أنه على الرغم من قدوم مقاتلين من حزب العمال الكردستاني إلى سوريا فإنه لا توجد روابط تنظيمية بين الحزب وقواته، وأردف “نظرا للتطورات الجديدة في سوريا، فقد آن الأوان لعودة المقاتلين الذين ساعدونا في حربنا إلى مناطقهم ورؤوسهم مرفوعة”.

عن شريف الشرايبي

Check Also

كيف يخدم استئناف الحرب على غزة نتنياهو؟ إجابات من طهران | سياسة

طهران- على وقع التوتر المتصاعد بين الولايات المتحدة وإيران منذ إعلان جماعة أنصار الله الحوثيين …

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *