الخط :
يُواصل رئيس الحكومة عزيز أخنوش، ورجل السلطة والمال، إحكام قبضته على مفاصل الاقتصاد المغربي والعديد من المجالات الحيوية، ليس من باب رئاسته للحكومة فقط بل أيضا من نافذة عدم الفصل بين السياسة والمصالح الشخصية. بعد أن رسخ احتكاره لسوق المحروقات بمختلف أنواعها بغض النظر عن المنافسة المحدودة في هذا القطاع، وبعد أن أحكم سيطرته على عدة قطاعات في الحكومة، وخاصة التعليم والصحة بعد التعديل الحكومي، إضافة إلى تربعه على عرش الفلاحة والصيد البحري منذ 2007، ها هو اليوم ينقض على قطاعات أخرى راميا عينيه إلى الرياضة، وباسطا إياها على الهيدروجين الأخضر، مزيحا بفنيات سياسية واضحة سلطات الوزيرة الوصية على قطاع الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة، ليلى بنعلي، ومتجاهلا الكثير من الأعراف المؤسساتية والقواعد الدستورية، ليجعل من هذا الملف الاستراتيجي مجالا جديدا لنفوذه المطلق.
إن ما جرى أمس الخميس 06 مارس الجاري، في اجتماع لجنة القيادة المكلفة بـ”عرض المغرب” في مجال الهيدروجين الأخضر يكشف بوضوح رغبة رئيس الحكومة في تحويل الملفات الاستراتيجية إلى مجالات نفوذ شخصية، حيث أضحى عزيز أخنوش يجسد نموذجا واضحا لتضارب المصالح، ولم يعد يرى فرقا بين رئاسة الحكومة واهتمامه الكبير باستثماراته، علما أنه هو الفاعل الأول في قطاع المحروقات، وها هو اليوم يوجه دفة الاستثمارات الكبرى في الطاقة الجديدة.
كما أن الطريقة التي تم بها انتقاء المستثمرين وعقد الصفقات الكبرى تطرح الكثير من التساؤلات بالرغم من مضامين البلاغ الصادر في الموضوع، و تكشف الكثير من خلفيات الرغبة التي تبدو ملحة لرئيس الحكومة كي يهيمن على القطاعات الحيوية لفترة مقبلة وطويلة، بل إن القارئ لهذه الرغبة سيشتم من بعيد رائحة المصالح والتحالفات التي أصبحت تدير العديد من استثمارات المرحلة.
ثم إن إقصاء الوزيرة المسؤولة عن قطاع الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة من هذا الملف، ما لم يكن لأهداف صحية أو ذاتية للوزيرة، فإنه يطرح تساؤلات ملحة يجب البحث عن أجوبة مقنعة لها، وذلك كي لا يتم التسامح مع هيمنة منطق السلطة الفردية التي يجب أن لا تفرض ذاتها على التدبير الحكومي في هذه المرحلة، خاصة أن عزيز أخنوش لا يخفي حاليا هيمنته على القرار الاقتصادي، ليس بصفته الحكومية فقط بل أيضا بصفته رجل أعمال بارز، بل إن الكثير من المهتمين لا يخفون تخوفهم من رغبة رئيس الحكومة في توجيه السياسات الحكومية بما يمكن أن يخدم أجندته الخاصة، بعيدا عن كل التوازنات ممكنة داخل الحكومة، ولعل فضيحة تضارب المصالح في صفقة تحلية المياه خير دليل على ذلك.
وبالتوقف عند ملف تحلية المياه الذي تم تفويته لجهة تنتمي إلى مجموعته الاستثمارية، فإن نتيجة الصفقة تكشف بوضوح اختلالات في مسطرة عرض الصفقات الكبرى، أو ما يجب تسميته بحرية التنافس بعيدا عن المصالح الكبرى، هنا أيضا يجب استحضار قضية خرق مبادئ الشفافية والمنافسة العادلة في مثل هذه الصفقات، لنصل إلى سؤال حاسم: هل الأمر يتعلق بتنافس مشروع أم بتمرير للمشاريع كبيرة؟.
وإذا كان ملف تحلية المياه قد طرح مسألة استغلال السلطة لتمرير مشاريع بمليارات الدراهم لصالح مجموعات اقتصادية معينة، فإن الارتماء على ملف الهيدروجين الأخضر يؤكد أن الحكومة تُدار ربما بمنطق الاحتكار الاقتصادي، حيث يُقصى كل من لا يدخل في دائرة المصالح الضيقة.
وإذا كان قطاع الهيدروجين الأخضر، ركيزة توضع عليها آمال الاستقلال الطاقي للمغرب، فإن خطورة تحويله إلى مشروع شخصي تشكل منعرجا خطيرا لحسن تدبيره، وبالتالي وجب التنبيه إلى ذلك خاصة بالنسبة لمسطرة اختيار المستثمرين وتحديد الشروط والأحكام في العقود وفقا لحسابات تبدو خاصة، بل محتكرة للقطاعات الحيوية.
إن رئيس الحكومة الذي يتحدث عادة عن الشراكات المتوازنة وعن الشفافية، هو نفسه الذي جعل هذا القطاع رهينة لقرارات فردية، وهو نفسه الذي لم يتردد في خلق اختلات واضحة في التدبير الحكومي. وهذا ما يدفع إلى طرح سؤال ٱخر حول كيف يمكن الوثوق بأن “عرض المغرب” في مجال الهيدروجين الأخضر ليس سوى عنوان جديد لمشروع قد يكون مصيره هو الاحتكار، وقد يُصاغ بنفس الأدوات والأساليب التي عرفناها في قطاعات أخرى كالمحروقات وتحلية المياه؟
إن ما يحدث اليوم هو تحول جذري في بنية السلطة الاقتصادية، إذ لا يجب أن تصبح الحكومة أداة في يد أقلية نافذة، تتحكم في مفاصلها وفق مصالحها الخاصة. المغرب الذي يُراهن على الطاقات المتجددة لتحقيق استقلاله الطاقي، ولذا وجب النأي بهذه الأوراش الكبرى بعيدا عن المصالح الضيقة لهذا الطرف أو ذاك.
فالمغاربة الذين اكتووا بأثمنة المحروقات، والذين رأوا كيف تحولت حكومة أخنوش إلى أداة لحماية أرباح الشركات الكبرى، هم اليوم أمام مشهد جديد للهيمنة الاقتصادية والسياسية. الهيدروجين الأخضر ليس مجرد مشروع طاقي، بل هو مستقبل المغرب الطاقي، وهو الملف الذي يُفترض أن يُدار بمنطق الدولة، لا بمنطق الحسابات الخاصة لرئيس الحكومة.