ماسبيرو ، الأصالة و العراقة ، والماضي التليد .
الرواد الأولون ، والأَعلام المؤثرون ، فخامة النيل وعزُه ، جاء إعلامه ، ثم جاء الآخرون من بعده .
إعلام ماسبيرو ، كان اسمه ، الإعلام العربي ، وليس المصري ، فقد كان إعلام العرب ، كل العرب ، فهذا المسلسل العربي ، وذاك الفيلم العربي ، وهذه صوت العرب ، وتلك القرآن الكريم ..
في الماضي ، وفي جميع البلاد العربية ، كانت الحياة ، تتوقف تماماً ، إذ إعلام مصر يعرض مسلسلاً ، أو فيلماً ، أو حفلاً لأم كلثوم ، أو مباراة للأهلي والزمالك ، أو خطاباً لزعيم ..
ماسبيرو ، إعلام مصر الحقيقيُّ ، الذي ينصرها دوماً ، ويزود عنها باستمرار ، بلا مأرب أو غاية ، وفي ذلك ، ينطبق المثل البدوي الجميل : إن لزم الأمر ، فما لزيد إلا عمرو .
ما للدولة المصرية حقاً وصدقاً ، إلا إعلام ماسبيرو .
بضاعتُنا في ماسبيرو ( الكلام ) نبيعه لجمهور المتابعين ، إما كلاماً لا يحتاج لصورة ( إذاعة ) وإما كلاماً لا يكتملُ معناه ، إلا بالصورة ( تليفزيون ) ..
وكلامنا فيه ، يتوافق ويتناغم مع احتياجات الناس ، والذوق العام ، وقواعد الأدب واللياقة ، لا تجاوز ، لا مزايدات ، لا تصفية حسابات ، لا عمل وفق أجندات ، إلا الأجندة الوطنية الخالصة ، المنزهة عن الهوي .
رسالتنا في الإعلام ، غرس القيم ، واستنهاض الهمم ، ربما قصرنا فيها ، لأسباب تخصنا ، وأُخري لا تخصنا ، لكننا يجب أن نعود ، وحتماً سنعود ، ولذلك ننصح ، و لضمان وصول هذه الرسالة ، بدقة وسرعة وقوة ، باختيار الكلمة ، بعناية كبيرة ، واختيار المتحدثِين بها ، بعناية مماثلة ، إذ مرسل جيد ، مع كلمة ضعيفة = مردود ضعيف ، ومرسل ضعيف ، مع كلمة جيدة = مردود ضعيف أيضاً .
كما ننصح بأنْ يكون إعلامنا ، ناقلاً للواقع ، وكيلاً عن المواطن ، في آماله وآلامه ، ينقل الخبر ، ولا يصنعه ، يعرض الحقيقة ، لا شئ غيرها ، كالمرآة المستوية ، لا مقعرة تُصغر ( تهوين ) ولا محدبة تُكبر ( تهويل ) .
ولتحقيق هذه الرسالة ، يلزمنا مجموعة من الأدوات ، أهمها :
* البلاغة : وهي مطابقة الكلام لمقتضي الحال ، وبلاغة الإعلام ، في حُسن اختيار الموضوع ، في التوقيت المناسب ، و بالأشخاص المناسبين ..
* التشويق : وهو كلمة سر الإعلام الناجح ، ويتمثل في : سُرعة الإيقاع ، التصاعد ، الحبكة ، كسر الرتابة ، قتل الملل ، الاستدلال المنطقيِّ ، الاحتفاظ بسر الصنعة ، حتي تتر الختام ..
* خلع طربوش الإعلام ! ليحاكي العصر ، ويواكب الحداثة ، لكنْ ( بإسلوبه وطريقته ) فيجمع بذلك بين الحُسنيين ( الأصالة والمعاصرة ) .
* الرقمنة : وهي الجُزئية الحاكمة في إعلام المستقبل بماسبيرو ، والتكنولوچيا الحديثة ، هي الذراع الطُولي لتحقيق ذلك .
* البشر : وهم قوة ماسبيرو الضاربة ، وأبناء ماسبيرو ، ليسوا عبئاً عليه ، بل هم المُحملون أعباءً ! هم في الأساس ضحايا ، وليسوا مذنبين ، تماماً كما كان ماسبيرو نفسه ، ضحيةً للإبعاد والتهميش .
في أبنائه ، كفاءات الإدارة ، وكفاءات التشغيل ، وكفاءات المنافسة .
فقط ، نقوا ماسبيرو ، من هؤلاء الذين استأثروا بخيراته لأنفسهم ، ولأصحاب الحظوة لديهم ، وجعلوه جُزراً منعزلة ، وتندروا عليه ، بدلاً من مساندته وتطويره وتحديثه .
وكثيرةٌ هي التشوهات الهيكلية التي ابتُلي بها ماسبيرو ! ومنها :
* واقعياً ، نحنُ إعلام خدميُّ ، إلا أنَّنا مستندياً ، و بالقانون ، هيئة اقتصادية ، يجب أن تنفق علي نفسِها ، فكيف نفض هذا الاشتباك الخطير ؟
* كُلُّ الخدمات تُقدم مجاناً ! وكُلُّ التغطيات بلا مقابل ! فأين العدالة ؟ .
* منذُ عقود ، رقتْ قلوب الوزارات ، فقرروا ملياراً ومائتي مليون جنيه سنوياً ، مقابل هذه الخدمات الكثيرة والكبيرة ! وبقي هذا المبلغ المتواضع ، إلي يومنا هذا ، لم يتغيرْ ! ومازلنا ضحايا قانون ( ٢ مليم ) منذ عهد الملك فاروق ، علي كل كيلو كهرباء ! لصالح الإذاعة والتليفزيون ..
* الدولة مَدِينة ، لبعضها البعض ، لكنَّهم لا يتحدثون إلا عن ديون ماسبيرو !
أري من الإنصافِ ، إسقاط الديون عن ماسبيرو ، أو تخفيفها ، وهذا مطلبٌ عادلٌ ، وضرورةٌ مجتمعيةٌ ، والسماح للإعلام الحكومىِّ ، بتحصيل ضرائب ، أو رسوم بسيطة للغاية ، كالدول النامية المثيلة ، أو حتى الأوروبية والآسيوية ، والتصرف في أصول ماسبيرو العقارية ، بالاحتفاظ فقط ، بالمطلوب فعلاً ، وفي حدود الرشادةِ في الاستخدام ، وبيع أو تأجير ما تبقي ..
كما أري أهمية الشروع في إنشاء أكاديمية ماسبيرو ، لتكونَ كلية إعلام متخصصة ، تستعين بالكوادر الماهرة ، من أبناء ماسبيرو ، الحاليين ، والمحالين للتقاعد ، مع تعيين أوائل الخريجين منها بماسبيرو بالعقود . وكذلك إنشاء شركة متخصصة لتسويق ماسبيرو ، إعلامياً ودرامياً . ومواصلة أعمال ماسبيرو القديمة ، من سهرات درامية ، وأفلام التليفزيون ، والسباعيات ، وأضواء المدينة ، وغيرها .
كذلك تطوير معهد الإذاعة والتليفزيون ، وتكثيف الدعاية عن دوراته المتخصصة ، وتوقيع بروتوكولات تعاون بينَه ، وبينَ كليات الإعلام المختلفة ، فضلاً عن إعادة هيكلة قنواتِ ماسبيرو ، بدمج البعض ، وإلغاء البعض ، والبحث عن رعاة لبعض البرامج المهمة ، بأسعار تنافسية ..
لدينا مكتبة ماسبيرو ، وهي ثروة منسية ، تكاد تُختَزَل في قناة واحدة ! هذه المكتبة العامرة ، يجب أنْ تكون مادة أساسية في جميع القنوات .ونمتلك أرشيف التليفزيون ، الذي يمكن أنْ يتم بيع بعض مواده ، على أنْ تعود ملكيته ، بعد فترة زمنية ..
برامج ماسبيرو ، بعد تطويرها ، لا يليق أنْ تبقي بلا تنويهات مسبقة ، ولا يليق كذلك ، أنْ يتم عرضها مرةً واحدةً ، وتنقطع الاستفادة منها سريعاً ، فهذا يتعارض مع الرغبة الملحة ، في جذب المعلنين .
وأري أيضاً ، تقليص نسبة المساهمة فى مدينة الإنتاج الإعلامىِّ ، والأقمار الصناعية ، وما شابه .
وأخيراً ، القنواتُ الإقليميةُ :
من اليسير ، إعادة تشكيلها ، وتدويرها ، بتحسينها ودعمها ، وتعظيم الاستفادة منها ، فهي الضمانة الوحيدة ، لإعلام يشمل مصر كلها ، القناة وسيناء والدلتا والصعيد ، فهذه مصر الحقيقية ، هذه هي الجذور ، هذه بعض أهم صمامات الأمان ، إذ علمياً وعملياً ، لا يستطيع التليفزيون المركزيُّ ، تغطية الأحداث جميعها ، خاصةً البعيدة ، كذلك العادات والتقاليد والأعراف ، والأماكن والبقاع والآثار والكنوز ، التي عرفناها منذُ عُرِفَ التاريخ نفسه ، ونُقشت أسرارُها علي جدار الزمن ، والأنجح والأقدر والأسرع في ذلك ، هو الإعلام الإقليميُّ ، الذي يزخر بكفاءات متميزة ، قتلَها الإحباط واليأس ، من التغيير والإنصاف ، فالإعلام الإقليميُّ ، ضحية التنمر ، والتقليل من شأنه ، فالكاميرا المعطلة ، تذهب للإعلام الإقليميِّ ، والسيارة المتهالكة ، مآلها للإعلام الإقليميِّ ، وما يتبقي من فُتات الأجور ، هو نصيب الإعلام الإقليميِّ . ولو سألتَ أحد منظري آخر الزمان ، كيفَ تُحلُ مشكلاتُ ماسبيرو ؟ لأجابك ، دون تردد ، بلا علم ولا دراية ، وبثقة واطمئنان شديدين ، بغلق القنوات الإقليمية فوراً !!
وحتي لا تفارقنا العدالة في القول ، وتهجرنا الموضوعية في التقييم ، فإننا هُنا ، ونحن نتحدث عن ماسبيرو ، ومع التسليم التام بأنه ضحية ، لا نبرئ أنفسنا ، بل ندينها قبل أي شئ ، ونلقي باللائمة عليها ، فقد كان بالإمكان ، أفضل مما كان ، كان لزاماً علينا ألا نستسلم ، وأن نبقي كالمقاتل ، يحمل سلاحه ، لا يفارقه ، إلا إذا فارقت روحه جسده .
والآن ، نحن نستطيع ، بالإرادة نستطيع بالعمل نستطيع ، وأن نأتي متأخرين ، خير من ألا نأتي علي الإطلاق .
فقط نبدأ ، ولدينا رصيد كافٍ من التاريخ ، ليكون خير محفز ومعين ، نبدأ بالمتاح لدينا ، غير منتظرين لذهب السماء وفضتها ، حتي لا نضيع الممكن ، في سبيل المستحيل ..